مقالات رأى

"تنظيم الأسرة" وتنظيم منصات التواصل الاجتماعي!

طباعة

لا يعنينا خسارة مالك الفيسبوك من ثروته أو خسارة شركة فيسبوك نفسها، لأننا لم نكن نتشارك فى الأرباح معهم، ولا يعنينا سبب مشكلة الانقطاع المفاجئ لخدمات منصاتهم الاجتماعية بالأمس إلا إذا كنا في طريقنا لتطوير منصاتنا الاجتماعية، المحلية والإقليمية، وبالتالي الاستفادة من أخطاء الآخرين. وإذا كانت الزيادة السكانية تلتهم معدلات النمو فى التنمية المصرية ونحتاج بالضرورة لـ"تنظيم الأسرة"، فمنصات التواصل الاجتماعي كذلك تلتهم الإنسان المصري، وتستنزف وقته وجهده وأمواله وقدراته، وتغير أخلاقيات مجتمعه، وتخلق مشكلات اجتماعية للكبار والصغار، وقد لا نجد من يستطيع البناء والتنمية، فأولى بنا تنظيمها كتنظيم الأسرة.

ربما تكون هذه المقدمة صادمة بعض الشيء، لكنها ضرورية إذا كنا نريد الاستيعاب والفهم لنمضى فى طريق التنمية الرقمية، وهو مفهوم جديد يستوعب مفهوم التحول الرقمى ذا المحاور المتعددة من تكنولوجيا معلومات، وتقنيات جديدة، ونماذج أعمال متقدمة ومبسطة، وموارد بشرية مدربة على التقنيات الحديثة، وبحث علمي وابتكار. إن التنمية الرقمية وسيلة مهمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فتكنولوجيا المعلومات في خدمة التنمية، وليس مجرد الاستهلاك فيما لا يفيد.

لقد اجتهدنا علميا لتكوين إطار التنمية الرقمية، الذى نقترحه لمصر من بداية أعمال الميكنة، مرورا بالحكومة الإلكترونية، وانتهاءً بالتحول الرقمى، فى ظل أربعة مكونات مهمة، هى:

أولا- تحقيق أهداف التنمية المستدامة فى رؤية مصر2030:

يعنى هذا الأمر توجيه موارد الدولة فى مجال التحول الرقمى لتحقيق رفاهية المواطن، وتوفير الوقت والجهد، والقضاء على الفساد لتعظيم الاستفادة من موارد الدولة كما وجه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي بذلك.

ثانيا- تطوير وتفعيل استراتيجية مصر للأمن السيبرانى:

لدى مصر بالفعل استراتيجية للأمن السيبرانى، لكن بالمقارنة باستراتيجية الذكاء الاصطناعي المصرية، فهى تحتاج إلى تنقيح وعمل احترافي أكثر، لنكون على الطريق الصحيح.

ثالثا- حماية التنمية الرقمية:

وهو ما يرتبط مباشرة بحادث انقطاع تطبيقات فيسبوك وواتس آب عن العمل، وهو مكِّون مهم يقينا مما حدث ويجعل مصر فى مأمن معلوماتي وأمنى من تحليل بيانات المصريين، وقياس مؤشرات الرأي العام من قبل محاور الشر التى تستهدف مصر، فتستدعى حماية التنمية الرقمية تقنين منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، ودمج التعاملات الإلكترونية (تجارة ومحتوى فى الاقتصاد الرسمي)، ونعنى بالتقنين إما التفاوض مع منصات التواصل الاجتماعي لمشاركتهم أرباحهم الناتجة عن 50 مليون مصري، مع تقليل ساعات الاستخدام ولتكن ساعتين على كل المنصات فيما عدا تطبيقات نقل الملفات، وتطبيق كود أخلاقي وقانوني مصري أو تطوير منصة، محلية وإقليمية، تقوم على تطويرها الشركة المتحدة للإعلام تحديدا لأسباب تسويقية ودعم وطني، ولنا مثال فى منصةwatch it  الناجحة.

تجنبنا حماية التنمية الرقمية فى هذا الإطار ساعات الهدر والضرر والوقت الضائع وغياب التركيز الناتج عن استخدام تطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي الذى تسبب فى تسريب وهدر جهود وموارد الدولة المصرية، بل إن رؤية مصر 2030، أو بعض الخطط الفرعية منها، مهددة، اجتماعيا واقتصاديا، مع استمرار الوضع الحالي لشبكات التواصل الاجتماعي بعدم تحقق كامل أهدافها، خصوصا فى التحول إلى اقتصاد المعرفة.

رابعا- توطين وتعميق صناعة تكنولوجيا المعلومات:

هذا المكون ناتج عن تطبيق حماية التنمية الرقمية (السابق الإشارة إليه) من تقنين لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي الاستثمار بالشركات المحلية التى ستقوم بعمل التطبيقات المتعددة المرتبطة بها، مما يزيد الطلب المحلى، ويضاعف فرص العمل المتميزة فى مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات.

إن دعوتنا لتقنين شبكات وتطبيقات التواصل الاجتماعي -بعضها لتيسير الأعمال وحجب الكثير منها- هى بوضوح حماية للتنمية المصرية المنشودة المهددة نتيجة الاستخدام السيئ لها، ودعوة للحماية المجتمعية، وحماية للأمن القومي المصري الذى يبدأ من الإنسان والأسرة المصرية، حماية لموارد وجهود الدولة فى التنمية.

طباعة

    تعريف الكاتب

    أ.د عصام الجوهري

    أ.د عصام الجوهري

    عضو الهيئة العلمية بمعهد التخطيط القومى، أستاذ م. نظم المعلومات وإدارة التحول الرقمى، الخبير بمركز دعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصرى، رئيس قسم المشروعات الصغيرة والمتوسطة - مركز التخطيط والتنمية