يبدو أن الإدارة الأمريكية بدأت بشكل سريع في تنفيذ خططها بضرب استقرار منطقة الشرق الأوسط من جديد، وتفعل ذلك مع القوى الفاعلة في المنطقة،والتي تعد حائط الصد للمنطقة من السقوط. فبعد ان اصدرت من اسبوعين قرارا برفع جماعة الحوثي من قائمة التنظيمات الإرهابية، ووقف دعمها لموقف العمل العسكري السعودي في اليمن، جاء أخيرا الكشف عن التقرير الصادر من إدارة المخابرات الأمريكية حول مقتل جمال خاشقجي، ومحاولة الصاق التهمة بالأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، في محاولة من الإدارة الأمريكية لتضرب القوة العربية التي تحافظ على استقرار ووحدة المنطقة في الوقت الحالي.
واذا نظرنا الى التقرير، فهو مبني كله من أوله الى آخره على التكهنات وعدم ابراز دليل واحد فقط بأن ولي العهد هو الذي اعطى تلك التعليمات، بل ان كل ما خرج من التقرير تم دحضه منذ تلك الواقعة وتحويل كل المشاركين فيها الى المحاكمة، كما أن الأمير محمد بن سلمان أعلن في مقابلة على قناة (سي إن إن) الأمريكية بأنه لم يكن على علم بما حدث إلا انه يتحمل المسئولية السياسية بصفته ولي العهد، بيد أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تسعى في الوقت الحالي الى اثارة الفتنة والبلبلةمن خلال تقريرها، ولا يمكن ابدا ان ننسى التقارير الأمريكية المسبقة في كثير من المواقف الدولية، والتي دائما تعتمد على اشارات وليست حقائق، كما حدث في عملية غزو العراق، فقد كان الغزو مبنيا على تقرير وهمي لتطويرها اسلحة دمار شامل، وكذا في مواقف أخرى عديدة تقدم تقريرا مبهما من أجل أن تنفذ من ورائه عمليات في مخططها.
المهم الآن أنه من الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة ربما ترغب في استكمال مسيرة إدارة باراك اوباما بالتدخل بشكل اكبر في منطقة الشرق الأوسط وتنفيذ المخطط الذي كان موضوعا والمعروف بالشرق الأوسط الموسع، وذلك من خلال تقسيم الدول العربية من جديد وأضعاف جيوشها أو تغيير عقيدتها بما لا يسمح لها بالدفاع عن أرضها، ومن المعروف أن مصر هي أول دولة استطاعت أن تكسر هذا المخطط،وتنهيه وذلك من بعد أن خرج الشعب المصري وأزاح تنظيم الإخوان الإرهابي من حكم البلاد، والذي كان يعمل لتنفيذ المخطط الغربي بمشروع الشرق الأوسط الجديد، وكان هناك تحالف عربى واضحا بين المملكة العربية السعودية ودولة الامارات للوقوف في جميع المحافل الدولية بجانب ارادة الشعب المصري، واستطاعت الدولة المصرية ان تعيد البناء مرة اخرى، ورفضت ان تكون تحت ضغط من الولايات المتحدة في مجال السلاح، فتم اتخاذ قرار جرئ من الرئيس عبدالفتاح السيسي بتنوع مصادر السلاح المصري، وأصبحت مصر هي الدولة القوية القادرة على حل النزاعات العربية وحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الأشمل، وهو ما تابعناه في ليبيا، والمصالحة الفلسطينية، ودعمها للتحالف العربي لعودة الشرعية في اليمن، وغيرها من المواقف، واستطاعت القوة المصرية ان تزيد من القوة العربية بشكل كبير.
لذا، فربما على الولايات المتحدة في الوقت الحالي محاولة ضرب التكتل العربي الذي هو حائط الصد الأخير في المنطقة، فبدأت بالحديث عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية حتى خروج تقرير خاشقجي، معتقدة بذلك انها قادرة على ايقاع المملكة العربية في ازمة في الوقت الحالي، أو استبعاد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي من المشهد حاليا، وتحجيم الدور السعودي في المنطقة من خلال ايقاف الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، بالاضافة الى ما ذكرناه من قبل، وهو رفع تنظيم الحوثي من قائمة الإرهاب.
واذا ألقينا نظرة سريعة على أغلب الدول في المنطقة سنجد أغلبها يهتم فقط بشأنه الداخلي بسبب أزمات أو صراعات داخلية، ولا تقوى على اتخاذ قرار أو مساندة دول عربية أخرى بسبب الإنهاك الداخلي، ولكن التكتل المصري– السعودي - الإماراتي هو الوحيد القادر على تغيير المعادلة لصالح اي دولة والوقوف بجانبها لمواجهة التحديات والمخاطر، وذلك من منطلق حماية الأمن القومي العربي، والعلم بأن سقوط أي دولة عربية هو سوط للمنطقة، وظهور المزيد من التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود،والتىتنفذ حربا بالوكالة، مع محاولات دول الجوار الإقليمي، مثل تركيا وإيران، التدخل لفرض السيطرة والنفوذ على بعض الدول، وبذلك ينهار الأمن القومي العربي.
في عام 2011، بدأت الولايات المتحدة بمصر في ثورات الربيع العربي، ورغم أن تونس جاءت قبلها إلا أن مصر كانت جائزة بالنسبة لهم، وربما إدارة بايدن ترغب الآن في التكرار ولكن مع دولة قوية وفاعلة، وهي المملكة العربية السعودية، لضرب الاستقرار فيها وإثارة الفتن بين القيادة والشعب، في الوقت الذي تسعى فيه إيران الى الحث على الفوضى.
في النهاية، يجب أن نعلم أنه من بداية عهد الإدارة الأمريكية الجديدة ستسعى الى التدخل مرة أخرى في شئون الدول العربية من مدخل حقوق الإنسان، بالإضافة الى استكمال مخطط الشرق الأوسط الموسع، وبالطبع استوعبت الدول الدرس جيدا، وبالنسبة لما يحدث مع المملكة في الوقت الحالي فانها لن تقبل باي ابتزاز أمريكي لأن الهدف واضح أمام الجميع.