تلجأ الدول إلي استراتيجيات متعددة لمتابعة مصالحها القومية، وتنفيذ أهداف سياساتها الخارجية، منها ما هو صراعي، ومنها ما هو تعاوني، ومنها ما يوظف الحياد، ومنها ما يعتمد علي التوازن، سواء أكان ناعما Soft Balancing، أم صلدا Hard Balancing، ومنها ما يقوم علي التحالف مع القوي الكبري، أو ما يعرف بـ "مسايرة الركب" Bandwagoning، ومنها أخيرا ما ينشد المهادنة، أو يستغرق في التبعية(1).
لكن أوضحت الممارسة أن هناك استراتيجية أخري لم تحظ بالاهتمام الكافي في الدراسات الأكاديمية، وهي "التحوط الاستراتيجي" Strategic Hedging. وتقدم هذه الاستراتيجية كونها بديلا ثالثا، أو استراتيجية وسطا بين استراتيجيات الأمن القومي، التي تتبني الميكانزمات الصراعية، وتلك التي تتبني الميكانزمات التعاونية من جهة، وبين التوازن التقليدي ومسايرة الركب من جهة أخري، (سواء اتخذت طابعا دفاعيا بالتحالف مع الدولة المهددة، أو طابعا هجوميا بالتحالف مع دولة/دول منافسة للأخيرة)، وبين التوازن الصلد والتوازن الناعم، وبين المواجهة المباشرة، أو الاعتماد المفرط علي الدول الكبري(2).
تتلخص إشكالية هذه الدراسة في تفسير إمكانات نظرية "التحوط الاستراتيجي" للتطبيق في منطقة الشرق الأوسط. ومن أجل معالجة هذه الإشكالية، تم تقسيم الدراسة إلي ثلاثة أقسام رئيسية. يحاول القسم الأول استكشاف معالم نظرية "التحوط الاستراتيجي"، والمفاهيم الأساسية التي تطرحها. أما القسم الثاني، فيعمد إلي إجراء تحليل مقارن للتطبيقات المختلفة للنظرية، ثم يشرح القسم الثالث والأخير إمكانات التحوط الاستراتيجي في إقليم الشرق الأوسط.