نجح ملتقى الحوار السياسي الليبي في انتخاب أعضاء جدد للمجلس الرئاسي الليبي يوم 5 فبراير 2021 برعاية الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية، وأسفرت نتائج الانتخابات عن فوز "محمد يونس المنفي" رئيسا للمجلس الرئاسي ونائبين له هما "عبدالله اللافي" و"موسى الكوني"، وفوز "عبد الحميد دبيبه" رئيسا للحكومة المقبلة. ويفترض أن تتولى السلطة الجديدة، المكونة من رئيس الحكومة ورئيس المجلس الرئاسي، إدارة شئون البلاد بعد موافقة مجلس النواب بمدينة طبرق عليها. وقد حظي انتخاب نخبة سياسية ليبية جديدة بترحيب إقيمي ودولي، وسيكون المجلس الرئاسي الجديد منوط به إدارة المرحلة الانتقالية بالبلاد والإعداد للإنتخابات العامة المقبلة المقررة في 24 ديسمبر 2021 .
نتائج ملتقى الحوار السياسي الليبي:
*وساطة أممية ناجحة: أدارت رئيسة البعثة الأممية بالإنابة "ستيفاني ويليامز" (أمريكية الجنسية ستغادر موقعها بعد انتخاب مبعوث دائم) ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف بنجاح لافت وحظيت بإشادات جمة علي نجاح عملها. وأعلنت فوز القائمة الثالثة بعد خوض جولتين من الانتخابات تمت على مدار يومي (4-5) فبراير 2021، ثم هنأت الفائزين وأكدت أن المجتمع الدولي يؤيد نتائج العملية السياسية ودعت السلطة التنفيذية الجديدة للوفاء بإجراء الانتخابات المقبلة في ديسمبر 2021. وكشفت عن ضرورة تشكيل الحكومة الجديدة خلال 3 أسابيع وتقديمها لمجلس النواب تمهيداً لحصولها على الثقة في غضون فترة مماثلة، وإلا يتم الرجوع لملتقى الحوار بجنيف مرة أخرى. ودعت السلطة الجديدة إلى الالتزام بما تم الاتفاق عليه وتشكيل حكومة تقوم على الكفاءة وتمثل جميع الليبيين، بمن فيهم الشباب والنساء وإطلاق عملية مصالحة شاملة، كما اعتبرت أن فتح الطريق الساحلية بين شرق البلاد وغربها أمر مهم لازدهار البلاد.
* آلية التصويت: حسم أعضاء الملتقى السياسي الليبي وعددهم 75 عضو لهم حق التصويت في الانتخابات وشاركوا في منتدى الحوار السياسي الليبي بجنيف، اختارتهم الأمم المتحدة ليمثلوا شرائح واسعة من الأقاليم الليبية الثلاثة الشرق والغرب والجنوب، بعد جولتين، نتيجة الاقتراع بمنح 39 صوتاً لاختيار القائمة الثالثة التي تضم (محمد يونس المنفي، رئيسا للمجلس الرئاسي، وبعضوية موسى الكوني وعبد الله حسين اللافي، وعبد الحميد محمد دبيبة، رئيساً للحكومة)، مقابل 34 صوتاً فقط للقائمة الرابعة التي خسرت الانتخابات، وكانت تضم (رئيس مجلس النواب الحالي "عقيلة صالح" لرئاسة المجلس الرئاسي، وعضوية "أسامة جويلي" آمر المنطقة الغربية بقوات «الوفاق»، وعبد المجيد سيف النصر، بالإضافة إلى "فتحي باشاغا" لرئاسة الحكومة)، بعدما كان كثيرون يقولون إنها القائمة الأكثر حظاً في الفوز.
وقد تم بث الجولة الثانية للتصويت على قوائم الانتخابات الليبية بسويسرا على الهواء مباشرة، بعدما انحصرت المنافسة بين قائمتين من بين القوائم الأربع، التي استوفت عدد التزكيات المطلوبة المنصوص عليها في آلية الاختيار. حيث لم تحصل أي من القوائم الأربع على 60 % من الأصوات الصحيحة في الجولة الأولى، لتتم جولة ثانية للتصويت، يبلغ حدها الأدنى 50 بالمائة + 1، وخلال هذه الجولة نجحت قائمة (المنفي - ديبيه) .
*نتائج مفاجئة: أسفرت الانتخابات المجلس الرئاسي الليبي عن نخبة سياسية جديدة، ويعول كثيرون على نجاح المجلس الرئاسي الجديد في أداء مهامه، وهي أنه سيمثل كرئيس مؤقت للدولة مع سلطة الإشراف على الجيش، وإعلان حالات الطوارئ، واتخاذ قرارات الحرب والسلام بالتشاور مع البرلمان. كما سيدير عملية مصالحة وطنية. ووفقا للنتائج، فقد أصبح "محمد يونس المنفي" (45عاما) رئيسا للمجلس الرئاسي، وهو ينتمي لقبيلة "المنفى" بأقصى الشرق الليبي بإقليم برقة، وهي إحدى أكبر قبائل الشرق، ومن أشهر أبنائها المعروفين شيخ الشهداء "عمر المختار".وشغل المنفي منصب سفير ليبيا في اليونان، قبل أن يتم طرده على خلفية اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا نهاية عام 2019. وقد أكد رئيس المجلس الرئاسي الجديد "محمد المنفي" إنه وبقية أعضاء المجلس، وبالتعاون مع رئيس الحكومة الجديدة سيعملون كفريق عمل متناغم واضعين أمام أعيننا صعوبة الأوضاع الراهنة وما تحتاجه من تقديم التنازلات في سبيل المطالب الوطنية العليا والبحث عن القواسم المشتركة. وجدد التزامه بالجدول الزمني لإجراء الانتخابات وإنجاز المصالحة الوطنية. وينوب عن "المنفي" في المجلس الرئاسي نائبان من إقليمي طرابلس وفزان. وهما:
* "موسى الكوني" الذي ينحدر من قبائل "الطوارق" الأمازيغية، وولد بمدينة غدامس جنوب غرب طرابلس، وكان الكوني يشغل منصب سفير ليبيا في "مالي" أيام نظام العقيد الليبي معمر القذافي، قبل أن يعلن انشقاقه عن النظام على خلفية أحداث الثورة الليبية عام 2011. كما شغل الكوني منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عن الجنوب الليبي، قبل أن يتقدم باستقالته من المجلس.
* "عبدالله حسين اللافي" النائب الثاني لرئيس المجلس الرئاسي وينتمي لإقليم طرابلس، من مدينة الزاوية " وقد كان أحد أعضاء مجلس النواب الليبي، ويشغل منصب عضو لجنة الاقتصاد والتجارة والاستثمار بمجلس النواب الليبي.
*حكومة مستقلة: وفق آلية الانتخابات، فقد فاز رجل الأعمال والسياسي الليبي المستقل "عبد الحميد دبيبة" (60 عاما) برئاسة حكومة الوحدة الوطنية الليبية. وينتمي "دبيبة" إلى مدينة مصراتة، وحصل على درجة الماجستير في الهندسة من جامعة تورنتو بكندا. ويشغل دبيبة منصب رئيس مجلس إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة، وله نشاط سياسي تمثل في تشكيله تيار "ليبيا المستقبل" الذي يترأس مجلس إدارته. وقد (تحفظت بعض الأوساط السياسية الليبية عليه، لاسيما بشأن مصادر ثروته وعلاقاته بتركيا، وصلة القرابة بينه وبين الملياردير الليبي "علي دبيبة" المقرب من تنظيم الإخوان المسلمين، مما آثار مخاوف من تعزيز نفوذ تركيا بالداخل اللليبي خلال المرحلة المقبلة).
*بحث نقل السلطة: عقدت يوم 9 فبراير 2021 السلطةالتنفيذية الليبية الجديدة المكونة من المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة المستقل أول اجتماع لها افتراضياً لمناقشة تشكيل الحكومة الجديدة في الوقت المحدد لها، تمهيداً لعرض برنامجها، وتقديمها لنيل الثقة من مجلس النواب. وقد ترأس الاجتماع رئيس المجلس الرئاسي الجديد "محمد المنفي" بحضور نائبيه "عبد الله حسين اللافي، موسى الكوني"، بالإضافة إلى رئيس الوزراء "عبد الحميد دبيبة"، على أهمية توسيع دائرة التشاور مع أعضاء مجلس النواب وملتقى الحوار الوطني الليبي.
وقد اعتبر رئيس الحكومة الليبية الجديد "دبيبة" في أول حوار إعلامي له مع وكالة أنباء الأناضول التركية يوم 7 فبراير 2021، أن اشتراط رئيس الحكومة الموازية في شرق البلاد "عبد الله الثني" حصول الحكومة الجديدة على موافقة مجلس النواب، "أمر منطقي"، وأعلن أنه سيتم تشكيل الحكومة الجديدة بعد 3 أسابيع، ثم ستُطرح لأخذ ثقة البرلمان، على أن تكون حكومة تكنوقراطية وربما يتم ضم وزراء من الحكومة الحالية ممن ثبتت فعاليتهم وجديتهم، وكشف عن تشكل لجان مصالحة داخلية ليبية - ليبية للتصالح مع الشعب والقبائل والطوائف المتخاصمة والمتحاربة. كما وصف تركيا بأنها دولة صديقة وشقيقة للشعب الليبي.
المواقف وردود الفعل الليبية:
حظي انتخاب مجس رئاسي ليبي جديد وحكومة ليبية جديدة مستقلة بترحيب داخلي من كافة مكونات الشعب الليبي في الاقاليم الثلاثة بالبلاد، حيث ..
*المؤسسات العسكرية: رحب قائد "الجيش الوطني" المشير "خليفة حفتر" يوم 7 فبراير 2021 بالسلطة الانتقالية الجديدة، وهنأ الشعب الليبي بنتائج ملتقى الحوار السياسي، برعاية بعثة الأمم المتحدة، وثمن الجهود المتواصلة التي بذلتها رئيسة البعثة بالإنابة "ستيفاني ويليامز"، وأدت إلى انتخاب السلطة الجديدة، وذلك لبداية انطلاق العملية الديمقراطية، وبناء دولة ليبيا الجديدة.
كما رحبت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، التي تضم خمسة ممثلين عسكريين من القوات التابعة لحكومة الوفاق بغرب ليبيا ، ومثلهم من الجيش الوطني الليبي بشرق البلاد خلال اجتماعها بمدينة سرت الليبية بنتائج ملتقى الحوار بتشكيل السلطة التنفيذية، إلى حين إجراء انتخابات، ودعت مجلس الأمن الدولي لإلزام الدول، التي لديها مقاتلون ومرتزقة أجانب في ليبيا بسحبهم فوراً. وأعلن مصدر عسكري بغرب ليبيا أنه سيتم العمل على توحيد المؤسسة العسكرية، وفقاً لجهود اللجنة العسكرية المشتركة، ودعا لاستكمال المسار السياسي
بينما أصدر "تجمع قادة ثوار ليبيا" بيانا، ينتقد فيه ما يحدث على الساحة السياسية بليبيا ووصفه بأنه استخفاف بحياة الشعب الليبي وفرض وصاية أممية عليه، واتهم بعثة الأمم المتحدة بحياكة المؤامرات منذ انطلاق ثورة 17 فبراير وإطالة أمد الصراع ودعم أطراف ليبية على حساب أطراف أخرى. وهذا موقف متوقع من الميليشيات المسلحة المنتشرة بالبلاد، نظرا لأن نجاح المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات المقبلة سيؤدي لإنهاء نفوذها.
*المؤسسات السياسية: باركت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بليبيا إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، تمهيدا لإجراء الانتخابات العامة المقبلة، وأكدت جاهزيتها لتنفيذ انتخابات ترتقي لتوقعات الليبيين وآمالهم. كما هنأ وزير داخلية حكومة الوفاق "فتحي باشاغا" القائمة الفائزة بعد خسارته رئاسة الحكومة الجديدة، ووصف التصويت بأنه جسد الديمقراطية في أوضح صورها، كما تمنى رئيس حكومة الوفاق "فائز السراج"، النجاح للحكومة الجديدة في مهمتها.
المواقف العربية والإقليمية:
*مصر: أجرى الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسى" يوم 10 فبراير 2021، إتصالا هاتفيًا مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد "محمد المنفي"، أعرب من خلاله عن التطلع لأن يمثل اختيار القيادة الليبية الجديدة، بمنزلة بداية عهد جديد تعمل فيه كافة مؤسسات الدولة الليبية بانسجام وبشكل موحد، يُعلي المصلحة الوطنية فوق أية اعتبارات، سعياً لإنهاء الانقسام الليبى الذى كان أحد معوقات المرحلة الماضية، وعانت منه الدولة الليبية وشعبها الشقيق، وكذلك سائر الإقليم ودول الجوار، مؤكداً مواصلة مصر تقديم الدعم والمساندة لصالح الأشقاء الليبيين، سواء على الصعيد الاقتصادى والأمنى والعسكرى.
*المغرب العربي: أجرى الرئيس التونسي "قيس سعيد" اتصال هاتفي مع "المنفي" يوم 8 فبراير 2021، دعاه وكل أعضاء السلطة التنفيذية المنتخبة لزيارة تونس في أقرب الآجال الممكنة، ووصف "سعيد" الانتخابات الليبية بأنها حدثاً تاريخياً، لأنها نابعة من إرادة الليبيين أنفسهم، لأن «الحلّ الدائم للأزمة في ليبيا لا يمكن أن يكون إلا ليبياً، كما رحبت الجزائر وموريتانيا بالتقدم المحرز في الحوار السياسي الليبي .
* الخليج العربي: رحبت المملكة العربية السعودية بنتائج التصويت على تشكيل السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، وأصدرت وزارة الخارجية بالرياض بيانًا دعا للمحافظة علي هذا الإنجاز وعلى وحدة وسيادة ليبيا، بما يفضي إلى خروج كافة المقاتلين الأجانب والمرتزقة، ويؤسس لحل دائم يمنع التدخل الخارجي الذي يعرض الأمن الإقليمي العربي للمخاطر. كما أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة بيانا مماثلا للترحيب بالانتخابات الليبية وأثنى على جهود الأمم المتحدة بشأن تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، مؤكدة تعاون دولة الإمارات الكامل مع السلطة الجديدة بما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار وتطلعات الشعب الليبي الشقيق.
*منظمات إقليمية: رحب مجلس التعاون الخليجي بانتخاب الحكومة الليبية الجديدة في خطوة تساهم للوصل إلى الحل الدائم والشامل بما يحقق الأمن والاستقرار والتنمية في ليبيا، ويلبي تطلعات وطموح الشعب الليبي. بدورها، عبّرت منظمة التعاون الاسلامي عن أملها في أن يؤدي تشكيل السلط التنفيذية إلى إحلال الأمن والاستقرار والتنمية في ليبيا، مثمنة الجهود المبذولة من قبل الأمم المتحدة.
*الموقف التركي: أعلنت وزارة الخارجية التركية عن ترحيبها باختيار حكومة ليبية مؤقتة جديدة، لأنه فرصة كبيرة لإرساء الوحدة السياسية وحماية سيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها. كما أكد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" يوم 7 فبراير 2021 حرص أنقرة على مواصلة تطوير التعاون مع ليبيا في المرحلة الجديدة، بعد اختيار أعضاء السلطة التنفيذية المؤقتة من قبل ملتقى الحوار الليبي، وأجرى "أردوغان" اتصالين هاتفيين مع كل من "المنفي"، و"دبيبة" هنأهما فيهما باختيارهما للمنصبين وشدد على مواصلة تركيا تقديم الدعم للحفاظ على وحدة ليبيا السياسية والجغرافية، والمساهمة في إحلال الاستقرار، والسلام والأمن والرفاه لشعبها. واستمرارًا لتحدى القرارات الدولية ومخرجات مؤتمر برلين حول ليبيا الذي عقد في يناير 2020 رهن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في تصريحاته يوم 9 فبراير 2021 سحب قواته بلاده من ليبيا بسحب القوات الأخرى، وبغض النظر عن أن هذا يعد اعلانا صريحا منه لوجود قوات تركية في غرب ليبيا وهو الأمر الذي كان ينفيه من قبل، وأكد "أردوغان" أن الوجود العسكري التركي في ليبيا شرعي ولا يخالف القانون الدولي لأنه جاء بدعوة من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، وبناء على اتفاقيات تعاون عسكري".
وجدير بالذكر أن البرلمان التركي قد وافق عي تمديد بقاء القوات التركية في ليبيا لمدة 18 شهراً اعتباراً من 2 يناير 2021، وقد أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن تركيا تستعد لنقل دفعة جديدة من المرتزقة السوريين من فرقة «السلطان مراد»، أشد الفصائل السورية موالاة لأنقرة، إلى ليبيا، رغم توقف الحرب بموجب وقف إطلاق النار الساري منذ 24 أكتوبر 2020. وتلك القوات التركية تسيطر حالياً على قاعدتي الوطية الجوية ومصراتة البحرية، وتدرب قوات برية وبحرية تابعة لحكومة "الوفاق"، مما يؤدي الي بقاء تلك القوات خلال المرحلة الإنتقالية وبعد الانتخابات الليبية المقبلة، بغية الحفاظ على المصالح التركية الاستراتيجية في ليبيا التي تتمثل في (الحفاظ على الوجود العسكري بشمال ووسط إفريقيا، والحصول على الموارد الاقتصادية والنفطية الليبية، تهديد الدول الأوروبية بتصدير اللاجئين وعناصر الإسلام السياسي والعناصر الإرهابية عبر الموانىء الليبية)
المواقف وردود الفعل الدولية:
أصدرت واشنطن ولندن وباريس وبرلين وروما بيانًا مشتركًا للترحيب بهذه الخطوة الحاسمة نحو التوصل إلى حل سياسي تفاوضي وشامل نتيجة لعملية يقودها الليبيون بصدق ويملكونها، ووساطة الأمم المتحدة، ودعم الشعب الليبي. ودعت الدول الخمس جميع السلطات والجهات الفاعلة الليبية الحالية إلى ضمان تسليم سلس، وبناء لجميع الاختصاصات والواجبات إلى السلطة التنفيذية الموحدة الجديدة،حيث:
*الولايات المتحدة الأمريكية: دعا السفير الأمريكي بليبيا "ريتشارد نورلاند" "دبيبة" خلال اتصال هاتفي بينهما، تشكيل فريق حكومي مصغّر وكفء وتكنوقراطي يمكنه أن يحظى بسرعة بثقة مجلس النواب وفقاً لخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي، وكذلك البدء في العمل على تلبية الاحتياجات الملحة لليبيين في جميع أنحاء البلاد التي تتعلق بقضايا ملحّة مثل الكهرباء، والاستجابة لجائحة فيروس كورونا، والتحضير للانتخابات نهاية العام الحالي.
*دول الاتحاد الأوروبي: أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا أنها مستعدة للعمل مع "دبيبة، محمد المنفي"، ودعت لضرورة الإسراع في تشكيل حكومة جديدة شاملة، تعمل من أجل المصالحة الوطنية وتوحيد البلاد. وطالبت بوجود ضمان للتحضير للانتخابات الوطنية الليبية المقبلة في الوقت المناسب، وجددت موقف الاتحاد الأوروبي من أهمية التنفيذ الفعال للاتفاق، واحترام حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وانسحاب جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي. كما أعلنت اليونان أنها تعتزم إعادة فتح سفارتها في طرابلس والقنصلية العامة في بنغازي بشكل فوري بعد انتخاب حكومة انتقالية جديدة في ليبيا.
بدوره أجرى الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" يوم 7 فبراير 2021 اتصالا هاتفيا برئيس المجلس الرئاسي الليبي "محمد المنفي" لتهنئته، كما أن هذه الخطوة تدل علي اهتمام "ماكرون" الشخصي بالملف الليبي ودعم بلاده لليبيا للخروج من أزمتها ومساندة عملية السلام والحاجة لتضافر الجهود كافة لتحقيق هذا الغرض، وهذا الاهتمام للحفاظ على المصالح الفرنسية الاستراتيجية في ليبيا .
*بريطانيا: عقد سفير بريطانيا لدى ليبيا "نيكولاس هوبتون" أول اجتماع مع رئيس الحكومة الليبية الجديدة "عبد الحميد دبيبة"، وجدد دعم لندن للجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار، والتحضير للانتخابات في 24 ديسمبر المقبل.
*روسيا: هاتف وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" 8 فبراير 2021 "المنفي" و"دبيبة" وأعرب عن استعداد روسيا للعمل البناء مع الإدارة الانتقالية في ليبيا بهدف تجاوز سريع للأزمة.
*الأمم المتحدة: أعلنت الأمم المتحدة عن اختيار الدبولوماسي السلوفاكي "يان كوبيتش" لرئاسة بعثتها بليبيا، وأجرى الأخير يوم 6 فبراير 2021 اتصالا هاتفيا برئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا "فايز السراج" لبحث تطورات الوضع الليبي، وقد أشاد الأخير بجهود الأمم المتحدة في رعاية العملية السياسية، وأكد الطرفان على أهمية استكمال المسارين العسكري والاقتصادي، بعد أن تم الاتفاق على تشكيل سلطة تنفيذية جديدة. وأكدا ضرورة الالتزام بإجراء الانتخابات العامة في موعدها المقرر، وجدد "كوبيتش" التزام الأمم المتحدة الثابت بليبيا مستقرة ومزدهرة وموحدة، والبناء على النتائج الإيجابية لملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف.
كما اقترح الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" تشكيل لجنة مراقبين دوليين لدعم وقف اطلاق النار في ليبيا نظرا لاستمرار الخروقات له بين وقت وآخر. ووجه "جوتيريش" رسالة لأعضاء مجلس الأمن الدولي بطلب تشكيل مجموعة مراقبة تضم مدنيين وعسكريين متقاعدين من هيئات دولية على غرار الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، ودعا كل الدول إلى التقيد بحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا الذي يتعرض لخروق مستمرة.
تحديات مستقبلية:
رغم الاحتفاء الواسع بانتخاب المجلس الرئاسي الليبي الجديد ورئيس للحكومة المستقلة، إلا أن هناك عدد من التحديات التي ربما تعرقل عملهم أو تحول دون الالتزام بالجدول الزمني الخاص بإجراء الانتخابات العامة بنهابة العام الحالي، ومن بينها ..
*توحيد السلطة التشريعية: دعا رئيس البرلمان الليبي الحالي المستشار "عقيلة صالح" يوم 9 فبراير 2021 أعضاء البرلمان لحضور جلسة تشاورية بمدينة طبرق منتصف فبراير الحالي بهدف وضع الترتيبات اللازمة لبحث منح الثقة للحكومة الجديدة. بينما يسعى غالبية النواب المنتمين لمدن غرب وجنوب البلاد لعقد جلسة في مدينة صبراتة القريبة من طرابلس لمنح الحكومة الجديدة الثقة، الأمر الذي يعرقل عقد جلسة برلمانية موحدة لمنح الثقة للحكومة الجديدة. وربما يتم عقد جلسة موحدة للبرلمان في مدينة ليبية محايدة، مثل سرت أو ربما يتم منح الحكومة الثقة من خلال عقد جلستين واحدة بشرق ليبيا وأخرى بغربها. وجدير بالذكر أنه منذ مطلع مايو 2019، قاطع نحو 60 نائباً جلسات البرلمان الليبي المنعقد في طبرق برئاسة "صالح"، وبدأوا في عقد جلسات موازية بطرابلس.
*إنهاء الوجود العسكري الأجنبي ومحاربة الإرهاب: ثمة ضرورة لانهاء التواجد العسكري الأجنبي بليبيا ووقف ترحيل المرتزقة إليها والمقدر عددهم بنحو 20 ألفا عنصر مسلح، مازالوا على الأراضي الليبية. هذا فضلا عن ضرورة محاربة التنظيمات الارهابية التي اتخذت من مدن ليبية مقرا لها مثل تنظيمات (داعش، القاعدة) لأنها ستعمل على تقويض أي جهود لأعادة الاستقرار بالبلاد لأن هذا سيؤدي للقضاء علي وجودها هناك، وهذه التحديات لن تتمكن الحكومة الليبية الجديدة من تنفيذها منفردة دون دعم عربي ودولي لها.
*إدارة المؤسسات الخدمية: تعرضت مؤسسات الدولة الليبية الخدمية علي مدى عقد من الزمان لتدهور كبير، في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، فضلا عن ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية المدعمة من الدولة كالخبز وارتفاع اسعار المحروقات والكهرباء. مما يمثل تحديا حقيقيا أمام الحكومة الجديدة فى ادارة هذه المرافق وتقديم الحد الأدني من الخدمات للمواطنين في مختلف المدن الليبية، هذا فضلا عن الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا. ولكي تتمكن الحكومة الجديدة من أداء مهامها يمكنها تشكّيل حكومة مصغرة من خمسة وزراء يتولون حقائب الخارجية والدفاع والأمن والاقتصاد والعدل وتعمل هذه الحكومة علي إدارة مرافق التعليم والصحة والمرافق.
خلاصة القول، إن نجاح الملتقى السياسي الليبي في انتخاب سلطة تنفيذية انتقالية جديدة إنما هو تتويج للجهود الدبلوماسية والمباحثات السياسية المكثفة التي شهدها العام الماضي بشأن الأزمة الليبية، حيث عقدت مشاورات ليبية برعاية مصرية وأممية في مدينة الغردقة المصرية وجنيف السويسرية وبوزنيقة بالمغرب وتونس، ولذا فإن نجاح المجلس الرئاسي الليبي الجديد في أداء مهامه رهنًا باستمرار الدعم العربي والدولي له.