تحليلات - شئون دولية

زيارة لافروف للقاهرة: التوافق المصري – الروسي لمعالجة القضايا العربية والإقليمية

طباعة
استقبل الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، فى 6 أبريل 2019  بقصر الاتحادية في القاهرة، وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"، الذي قام بجولة عربية لمدة يومين، تضمنت مصر والأردن. وعقد "لافروف" اجتماعا مع نظيره المصري "سامح شكري"، والأمين العام لجامعة الدول العربية "أحمد أبو الغيط". وفي ختام المباحثات المصرية – الروسية، جددت الدولتان التوافق فيما بينهما لمعالجة مختلف الأزمات العربية والإقليمية وفق الحلول السلمية والقرارات الأممية. 
الأهمية والأهداف:   
تكتسب زيارة وزير الخارجية الروسي للقاهرة أهمية خاصة وأبعادا متعددة، لأن العلاقات المصرية - الروسية تتجاوز كونها علاقات ثنائية بين دولتين، نظرًا لأهمية كل دولة في محيطها الإقليمي وتأثيرها الدولي، حيث: 
* دلالات التوقيت: تأتي زيارة "لافروف" بعد ستة أشهر من زيارة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" لموسكو في أكتوبر 2018 وما أحدثته من تحول نوعي وكمي في العلاقات المصرية – الروسية، حيث وقع الرئيسان المصري والروسي اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجى، كما أنها تاتي قبل ست أشهر من الزيارة المقبلة للرئيس "السيسي" لموسكو في أكتوبر 2019، والتي ستشهد عقد القمة الروسية - الإفريقية الأولي بموسكو، وبرعاية مصرية بحسبان أن الأخيرة هي لرئيس الإتحاد الإفريقي لعام 2019، ولذا جاءت زيارة "لافروف" للإشراف على ما تم تنفيذه من اتفاقيات مشتركة، والإعداد للقمتين المقبلتين المصرية - الروسية، والإفريقية - الروسية. وكذلك لاتخاذ مختلف الترتيبات لإعلان عام 2020  "عام الثقافة الروسية في مصر".
* تنسيق وتشاور مستمران: تحرص كل من القاهرة وموسكو علي استمرار التنسیق والتشاور بينهما حول الملفات الإقليمية والعربية، لاسيما في ظل وضع إقليمي دقيق تشهد فيه مختلف الملفات تحولات جذرية في كل من الملف (الليبي، والسوري، واليمني)، فضلا عن تطورات القضية الفلسطينية. وثمة توافق واضح في المواقف المصرية والروسية لمعالجة تلك الملفات المتأججة، عبر المطالبة بضرورة تسویة النزاعات في المنطقة بالوسائل السیاسیة والدبلوماسیة بما يتفق تماما مع قواعد القانون الدولي وقرارت الأمم المتحدة. 
‬* تعزيز النفوذ الروسي: تسعى موسكو لتعظيم وتعزيز نفوذها في عدة إقاليم شهدت تراجعا لذلك النفوذ بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، مثل الشرق الأوسط والقارة الإفريقية. فمنذ أربعة أعوام، عاد النفوذ الروسي بقوة للشرق الأوسط من البوابة السورية، عبر التدخل العسكري الروسي في الأزمة عام 2015، والذي مثَّل نقطة تحول في توجهات السياسة الخارجية الروسية تجاه المنطقة، ولذا تحرص موسكو على توطيد علاقتها بكثافة مع الفاعلين الإقليميين المؤثريين كمصر. ويأتي الإعلان عن القمة الأولي الروسية – الإفريقية كنقطة تحول في العلاقات بين الطرفين على جميع الصُعد السياسية والثقافية والعسكرية، خاصة الصعيد الاقتصادي، حيث تسعى موسكو لتعظيم حجم التبادل التجاري بين إفريقيا وروسيا الذي بلغ  20.4 مليار دولار عام 2018 لمصلحة روسيا. والاستفادة من الموارد الإفريقية المتوافرة بكثرة، وفتح الأسواق الإفريقية للمنتجات الروسية. 
 
توافق مصري - روسي: 
برز جليا التوافق المصري - الروسي بعد مباحثات الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" مع وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"، والتي حضرها وزير الخارجية المصري "سامح شكرى"، ورئيس المخابرات العامة اللواء الوزير "عباس كامل"، ونائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوجدانوف"، وسفير روسيا الاتحادية بالقاهرة. ويمكن بلورة ذلك التوافق من خلال عدة قضايا إقليمية وعربية لعل أبرزها: 
* الأزمة الليبية: شهد الملف الليبي تطورات متسارعة، بالتزامن مع زيارة "لافروف" للقاهرة، تمثلت في إعلان الجيش الوطني الليبي بدء معركته للقضاء على الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية بالعاصمة الليبية طرابلس. وقد دعا الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسى" إلى ضرورة التحرك العاجل، وتكاتف جهود المجتمع الدولى لوقف تدهور الوضع فى ليبيا وتدارك خطورته، ولتقويض انتشار التنظيمات المتطرفة هناك. وجدد دعم مصر لإعادة بناء المؤسسات الوطنية الليبية وجهود توحيد المؤسسة العسكرية، لاسيما أن القاهرة قادت سبع جولات بين الأطراف الليبية لتوحيد المؤسسة العسكرية، وهو ما أيده "لافروف" الذي أرجع تفاقم الأزمة في ليبيا إلى التدخل العسكري غیر الشرعي من جانب "الناتو" عام 2011، وما نجم عنه من تداعيات جمة. وأكد أن موسكو والقاهرة تعملان على تنسیق خطواتهما لدعم الأطراف اللیبیة لتجاوز الخلافات القائمة، والتوصل إلى اتفاقات ثابتة، خاصة حول معايير المصالحة الوطنية. وتتمثل الرؤية المصرية لحل الأزمة الليبية في دعم جهود المبعوث الأممى لليبيا "غسان سلامة" لإيجاد توافق وتفاهم بين الأشقاء الليبيين، ومنع تحول ليبيا لملاذ للإرهابيين الذين يتم نقلهم بشكل ممنهج ومنظم من سوريا والعراق لليبيا بدعم من دول إقليمية وعربية، مما يشكل تهديداً للشعب الليبى والمنطقة. ولذا، تدعو مصر لتوحيد المؤسسة الليبية لاستعادة ليبيا مركزها، والوصول لوضع يؤهلها لإجراء الانتخابات ويضع ليبيا على مسار الاستقرار، وضرورة أن تتحلى جميع الأطراف بضبط النفس، والعمل على التفاعل الإيجابى مع جهود المبعوث الأممى لليبيا لحل الازمة من خلال الحوار لمصلحة الشعب الليبي.
* الملف السوري: جددت مصر وروسيا رفض إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السورية، ووصفه "لافروف" بأنه "انتهاك صارخ" لكل المواثيق الدولية، وتراجع عن التزامات واشنطن بمقررات مؤتمر مدريد للسلام ومبادرة السلام العربية، وأعلن "لافروف" دعم بلاده لعودة سوريا "للأسرة العربية". وجددا الدعوة للاعتماد على التسویة السیاسیة كحل نهائي للأزمة السورية على أساس احترام سیادة وسلامة الأراضي السوریة والالتزام بقواعد القانون الدولي. كما أكد الرئيس "السيسي" ضرورة مواصلة العمل والتنسيق مع روسيا لاحتواء خطر العناصر الإرهابية بسوريا، وهم "المقاتلون الأجانب" الذين انضموا لتنظيم "داعش" الإرهابي. فرغم الإعلان عن القضاء على آخر معاقل التنظيم بقرية "الباغوز" شرق سوريا، فإن بعض خلاياه تمكنت من الانتقال لمدن وقرى ودول أخرى، مما يمثل تهديداً للأمن القومي لدول الجوار السوري. وأكد "لافروف" رفض بلاده لقصف الأراضي السوریة من أى جهة إقليمية، وكذلك رفض موسكو تحول أراضي سوريا إلى ساحة للمواجهة العسكریة بین مختلف اللاعبین الإقلیمیين. (في إِشارة لرفض موسكو للغارات الإٍسرائيلية المتكررة على بعض الأهداف العسكرية الإيرانية بشرق سوريا)‬.
* القضية الفلسطينية: جدد الرئيس "السيسي" الموقف المصرى الثابت من القضية الفلسطينية المتمثل في اعتماد حل الدولتين وفقاً للمرجعيات الدولية، الذى يعد الحل الأمثل لإحلال السلام والتهدئة فى منطقة الشرق الأوسط، على أساس أن القضية الفلسطينية هى القضية المركزية فى المنطقة بل والعالم، وهو ما أيدته موسكو، كما ثمنت جهود مصر لإتمام عملية المصالحة الفلسطينية وتهدئة الأوضاع فى غزة.
* مكافحة الإرهاب: ثمة توافق روسي - مصري حول ضرورة التصدي للجماعات الارهابية والقضاء عليها، وعلى من يمولها ويقدم لها أى دعم مادي أو لوجيستي. وقد نفذت القوات المسلحة المصرية والروسية عشرات التدریبات المشتركة الخاصة بمكافحة الإرهاب خلال الأعوام القليلة الماضية، وأكدت الدولتان ضرورة بحث سبل تعزيز الجهود الثنائية المشتركة لمكافحة الإرهاب. وحذر الرئيس "السيسي" من خطورة قيام بعض الجهات والدول بتقديم الدعم والمساندة للجماعات والمنظمات الإرهابية، بينما أعرب "لافروف" عن تأييد روسيا للجهود المصرية الجارية فى مجال مكافحة الإرهاب، وعزمها مواصلة التنسيق والتعاون بين البلدين فى هذا المجال على مستوى الأجهزة والمؤسسات المعنية. وراهنت القاهرة وموسكو على اجتثاث جذور الإرهاب الدولي بتضافر جهود المجتمع الدولي كافة على أساس القانون الدولي، ووقف مصادر التمويل. 
* شراكة استراتيجية: أكد الرئيس "السيسى" سعى مصر لترسيخ الشراكة مع موسكو فى المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية، وهو ما تجسد فى بلورة عدد من المشروعات المهمة التى يتعاون البلدان فى تنفيذها داخل مصر، مثل مشروع محطة الضبعة النووية، والمنطقة الصناعية الروسية فى محور قناة السويس، والتعاون فى مجال تطوير منظومة السكك الحديد. كما أشار الرئيس إلى استئناف حركة الطيران بين المدن الروسية ومدينتى شرم الشيخ والغردقة، وتطلع مصر لقيام الجانب الروسى بالانتهاء من هذه المسألة قريباً. بينما أكد "لافروف" أن موسكو تسعى لزيادة حجم التبادل التجاري مع مصر الذي بلغ 8 مليارات دولار عام 2018. 
 
خلاصة القول، إن زيارة وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" للقاهرة أكدت مرة أخرى عمق التوافق المصري - الروسي في مختلف القضايا العربية والإقليمية. وكونها تأتي فى غضون زيارة الرئيس "السيسى" الرسمية الثانية للعاصمة الأمريكية واشنطن، إنما يدل على نجاح القيادة السياسية المصرية في نسج سياسة خارجية متوازنة مع مختلف القوى الدولية الحالية، كما يؤكد أهمية التعويل علي الدور المصري عربيًا وإقليميًا لإرساء الاستقرار وتسوية الملفات الإقليمية الراهنة.  
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحث أول ومحاضر فى العلوم السياسية