يقف السيد ضفدع على ورقة الزنبق يستعد لقفزة أخرى بعد اختبار قوتها، ويكرر ذلك حتى يعبر للجهة الأخرى من البِركة.
تلك هي الثورات التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط في عدة بلدان عربية. إن السيد ضفدع ماهو إلا محرك هذه الثورات، متنقلا من ورقة زنبق إلى أخرى، والتي تعني تلك البلدان المراد إثارة الفوضى بها بعد تجهيزها وإعدادها لذلك بهدف الاستيلاء على ثرواتها، باستخدام مرتزقة مأجورين يتم إرسالهم للمنطقة المحددة وتنفيذ تعليمات مرسلهم. إنهم يقومون بصنع أزمات وصراعات داخلية حتى الوصول إلى حالة هشة يسهل حينها السيطرة على الأمور، مستعينين بخونة الداخل لإيجاد حالة من عدم الاستقرار والغضب من النظام الحاكم، وبعد أن يضمنوا وصول الشعب إلى هذه النقطة، والذين يطلقون عليهم الجوييم، أي القطعان البشرية التي يتم تسييرها بلا وعي أو إدراك بيد ذلك المحرك الخفي والذي هدفه الأسمى هو القضاء على أغلب الحكومات التي لا تغدو مهمة له، وتكوين حكومة عالمية واحدة تتكون من ذوي القدرات الفكرية الكبرى، وتضم أبرز المتفوقين في ميادين الفنون، والآداب، والعلوم، والاقتصاد، والصناعة.
هؤلاء يتم تدريبهم ليصبحوا كما يطلقون على أنفسهم نخبة، ويتم استخدامهم والترويج لهم إعلاميا. فنراهم في معظم القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي يقومون بعمل وعي زائف، وتوصيف غير دقيق للأوضاع المراد زعما تغييرها، وتحريض المجتمع على التحرك تحت شعارات ثبت فيما بعد كذبها وفضح زيفها، تلك النخبة الكاذبة، والتي تمت محاصرتها والسيطرة عليهم باستعمال الرشوة المالية والجنسية، وتصعيدهم لشغل المراكز الحساسة على مختلف المستويات هم فقط مجرد عملاء خونة. ولضمان ولائهم، يتم تهديدهم بطرق عدة، سواء كان سياسيا أو بالإيذاء الجسدي، أو جعله ضحية لفضيحة ما، أو حتى بالقتل.
إن عمل هذه النخبة خطير للغاية، فمظهرهم حين تراهم وتسمعهم يوحي بالصدق. غير أن استخدام أسلوب البرمجة العصبية اللغوية بتكرار مصطلحات ما كالديمقراطية والسلمية، يجعل الجموع تضع هدفا لحراكهم، هو الوصول للديمقراطية المفتقدة مستخدمين سلمية يفعلون عكسها طيلة الوقت. فهم حتى بحملهم السلاح ضد الدولة، يعتقدون أن ذلك حق مشروع لهم سموه المقاومة. لقد تشبعوا بالإحباط والشائعات المغرضة التي تم نشرها عن عمد لخلخلة الكيان الداخلي للدولة بهدف إسقاطها ذلك المحفز غير المرئي الذي سيطر على الوعي الجمعي للجموع، التي ستقوم بعمل ثورة على ما قد كرهوه، ووضع رفضوه. لقد تم مسخهم فأصبحوا أدوات في يد المحرك والمحرض الخفي. والآن، حان وقت إشاعة الفوضى التي أطلقوا عليها وصفا خادعا بأنها فوضى خلاقة حقيقية لم ينتج عنها سوى الدمار، والحرق، نهب المحال، وإضعاف الاقتصاد، والأهم تلك الصورة المراد صنعها. إن فن صناعة الصورة هو أسلوب من أساليب حروب الجيل الرابع التي تصور وضعا على خلاف الحقيقة ويتم ترويجه عالميا بهدف لفت انتباه العالم إلى أن تلك الدولة في طريقها للسقوط، وأصبح افتراسها سهلا. فقد وقعت بغداد قبل أن تسقط فعليا بعدة أيام. إنهم يستخدمون استراتيجيات خبيثة تتمثل في صورة شائعات وأكاذيب، ينشرون أوهامهم وخرافاتهم كأنها حقيقة، أملهم هو الوصول بعقول هذه الشعوب من مرحلة إلى مرحلة والنزول به للقاع الديني والأخلاقي والعلمي شيئا فشيئا، وتصعيدا باستخدام استراتيجية الاستفزاز بصناعة أي حدث وافتعاله لإشعال الوضع الأمني وإحداث المواجهة غير المتكافئة بين السلطة والشعب الذي يتم حينها تسهيل حصوله على السلاح لإيقاع أكبر عدد من الضحايا على الجانبين. في الوقت نفسه، تكون عيون العالم، متمثلة في عدسات العديد من الكاميرات ووكالات الأنباء العالمية، جاهزة لأخذ تلك اللقطات وتحريف وتزييف حقيقتها وإذاعتها على العالم بهدف الترويج لفقد الثقة في تلك الدولة وإضعاف كيانها عالميا ومحليا. فهنا نرى ذلك الدور الشرير للإعلام، وكيف يسهم بقصد وعمد في إسقاط الدول، ثم نرى المواجهات مع السلطة، متمثلة في محوري الأمن -الجهاز الشرطي والقوات المسلحة- بحيث يتم الضرب أولا في جهاز الشرطة بنشر الشائعات الكاذبة عنه في صور عدة، ثم إسقاطه معنويا، وحتى إسقاطه فعليا، ثم يأتي الدور على المؤسسة العسكرية عن طريق بث خطاب يحض على كراهية تلك المؤسسة المنوط بها الدفاع عن الدولة ككل ونبذها، حتى تقع الشعوب في فخ تم صنعه بدقة ويسقطون درع حمايتهم وحائط صد الاعتداء الخارجي وحماية مقدرات الشعوب وما لا تتداركه تلك الشعوب أن ذلك اللاعب الخفي يستخدم أنظمة مارقة لا مبادئ لديها ولا تعمل حسابا لأي دين، ولا تقيم وزنا لأي معايير شرف أو مواثيق ومعاهدات .. هذه الأنظمة هي أدوات المستعمر القديم الذي يسعى حثيثا لإحياء تلك الحقبة مرة أخرى.
إن الأنظمة الصهيو-أمريكية والأوروبية، على حد سواء، تستخدم حثالات الخونة لتحقيق أهدافها وتنفيذ مخططها. تلك الأنظمة الصهيونية لا تقيم تحالفا مع كيانات ضعيفة، وإنما تستخدمهم كجواسيس وممولين خونة يتم تدميرهم في فيما بعد، عندما تتضح الرؤية فيما بعد.
في الجولة الثانية، تقوم تلك الأنظمة بإزاحة والتخلص من الخونة وضعفاء المرحلة الاولى. فالدولة الخائنة لا تمتلك قرارا حرا، ولا استراتيجية مستقلة، ولا تخطيطا قويا، لأنها مجرد تابع وممول لتقدم تلك الأنظمة الصهيونية.
إن الحكومة الخفية التي تحكم العالم تستخدم الشخصيات ذات النفوذ، والذين سقطوا في شباكهم كجواسيس وعملاء خلف الستار بصفتهم خبراء وإخصائيين، بحيث يكون في إمكانهم إسداء النصح إلى كبار رجال لدولة للوصول إلى التدمير النهائي لجميع الأديان والحكومات.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يقوم هؤلاء العملاء بتغيير الوعي لدى الشعوب، بحيث يصبحون أدوات سهلة القيادة للتخريب والتدمير بلا وعي؟ تتمثل الإجابة في السيطرة على الصحافة والإعلام وكل مصدر متاح للعامة بشكل يدفع الشعوب الى الاعتقاد بأن التخلص من الأنظمة التي يصورونها ديكتاتورية، وإرساء العدل المزعوم هو أعلى المطالب، والطريق لحل المشكلات وهم لا يعون حقيقة أنهم لا يسقطون نظاما، بل يسقطون دولة كاملة، والتي إذا سقطت فلن تعود كذلك مرة أخرى.
هذه الأفكار الجهنمية والثورات أتت بالخراب على كل دولة مرت بها باستخدام برمجة عصبية بترديد مصطلح ما ثم تكراره، بحيث يكون واقعا يصدقه الناس وقت ثورتهم، فكيف نقول "عيش" وقد دمرنا الاقتصاد؟ كيف نقول "حرية" وقد تطاولنا على كل الرموز والقيم إلى حد السباب والاتهامات الباطلة لكل قامة وقيمة، وقيادة في المجتمع على كل المستويات وقت أن قالوا إن هذا طريق مفتعل؟ لا بد أن ننتبه لما يحاك لنا، وهذه مسئولية الدولة، حيث إن عليها السيطرة على حالات الانفلات الإعلامي على الساحة، كما يتوجب على المواطنين بذل المجهود الكبير في الحصول على المعلومة الصحيحة موثوقة المصدر، وعدم الانسياق وراء دعوات خادعة وتحرى الحذر من نشر الشائعات التي تمثل منصات زائفة لتغييب الوعي وعدم الوقوف إلى جانب مؤسسات الدولة ودعمها على جميع الأصعدة، فذلك هو فقط الضمانة الوحيدة لإنقاذ الدولة من براثن طاحونة كبيرة لمحو الدول وتغيير خريطة العالم وإرساء النظام العالمي الجديد والنجاة من فخ تم رسمه بعناية ودراسة متعمقة. فالعدو لا يلهو ولا يضيع وقتا ثمينا، بل خطط، ودبر، وحدد لاعبيه، وحقق نتائج في بعض الدول التي فقدت تلك الثقة بين الشعب والمؤسسات الوطنية. ومن نجا من تلك الخطة وذلك الفخ هي تلك الدولة التي ضربت بجذور ثقافتها واتحادها فى عمق التاريخ والحضارة، وضرب شعبها أروع الأمثلة في ملحمة إنقاذ الوطن من الانحدار لذلك المستنقع، وتلك البرِكة المليئة بالعديد من أوراق الزنبق، فقد أسقطتها من حسابات الترتيب والانتقال، بل ومدت يدها لوقف الزحف المدمر لجيرانها، وعودة سيطرة الدولة الوطنية مرة أخرى، إنها مصر في قلب النظام العالمي الجديد، والدولة الوحيدة الناجية بقوة شعب، وإخلاص جيش يُحسب له ألف حساب منذ القدم.