Khalil Marrar, The Arab Lobby and US Foreign Policy: the two states Solution،London: Routledge، 2009.
عرض: محمد عبد الله يونس (معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة)
لم تحظ دراسة جماعات الضغط العربية بالاهتمام الأكاديمي والبحثي، ربما بسبب تفاوت مستويات تأثيرها في السياسة الخارجية الأمريكية، مقارنة بالثبات النسبي لتأثير جماعات الضغط اليهودية.وفي هذا الإطار، جاء كتاب خليل مرار، الذي يناقش تأثير اللوبي العربي في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي خلال فصوله الخمسة، محاولا تقييم احتمالات نجاح اللوبي العربي في التأثير في موقف الرأي العام وصانعي السياسة الأمريكية.
اللوبي العربي والرأي العام الأمريكي :
بدأ الكاتب بداية غير متوقعة لكتاب يتناول ظاهرة لم تتعرض لها الأدبيات من قبل، حيث آثر أن يركز علي تطور السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وملابسات نشأة حل الدولتين، ولم يتعرض ابتداء لتعريف ما المقصود باللوبي العربي في الولايات المتحدة. ولكنه لاحقا حدد فئتين من المنظمات المكونة للوبي العربي، الفئة الأولي تضم جماعات الضغط العربية، مثل شبكة الأمريكيين العرب، ومعهد الأمريكيين العرب، وجمعية خريجي الجامعات الأمريكية العرب، واللجنة العربية الأمريكية لمناهضة التمييز. أما الفئة الثانية، فتتمثل في المنظمات الأمريكية الداعمة للسلام، مثل حركة الأمريكيين من أجل السلام الآن، وكنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط، وفريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين.
وفي إطار تحليل الكاتب لدور جماعات الضغط سالفة الذكر في التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، فإنه يتبني مقوله مفادها أن تغير مواقف الرأي العام الأمريكي من القضية الفلسطينية يرتبط بمدي فاعلية تأثير جماعات الضغط العربية، واعتمد في طرحه علي استطلاعات رأي حول مدي قبول الرأي العام الأمريكي لحل الدولتين ومواقفه من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، كما اعتمد الكاتب علي مقابلات مع قيادات جماعات الضغط العربية لمعرفة آليات تأثيرها في سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية وعلاقتها بجماعات الضغط المناوئة لها والمؤيدة لإسرائيل.
التأثير العربي بين الصعود والتراجع :
يربط الكاتب تأثير جماعات الضغط العربية بعدة عوامل، أهمها المتغيرات في البيئة الدولية والأمريكية، ونشاط جماعات الضغط الموالية لإسرائيل وموقف الرأي العام الأمريكي من الصراع. ومن ثم، يركز الكاتب علي عدة مراحل، أهمها مرحلة الحرب الباردة، وفترة الثمانينيات، ومرحلة ما بعد الغزو العراقي للكويت، ومرحلة مفاوضات مدريد واتفاقية أوسلو وأخيرا المرحلة التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي عد ها الكاتب تحولا محوريا في دور جماعات الضغط العربية في السياسة الأمريكية تجاه عملية التسوية.
بيد أن تصاعد تأثير جماعات الضغط العربية ارتبط باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولي، ومحاولات استمالة الرأي العام الأمريكي من خلال توضيح معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال، وعدم اعتراف إسرائيل بالحقوق المشروعة لهم. وارتبط نجاح اللوبي العربي في تلك الفترة بانهيار الاتحاد السوفيتي، وتراجع عوائد التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في مقابل تهديد المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
ولم يستمر التأثير العربي لفترة طويلة، وتأثر سلبا بتداعيات الغزو العراقي للكويت الذي أحدث انقساما حادا بين جماعات الضغط العربية بالولايات المتحدة بين مؤيد ومعارض للحرب، وتعرض بعضها لقطع المساهمات المالية العربية لمواقفها المعارضة للتدخل الأمريكي في الحرب، ناهيك عن حملات تشويه قادتها منظمات اللوبي الإسرائيلي واتهامها بالعمل ضد المصالح الأمريكية. إلا أن التطورات الدولية أسهمت من جديد في دعم تأثير جماعات الضغط العربية عقب انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وتوقيع اتفاق أوسلو بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني عام 3991.
أحداث 11 سبتمبر والضعف الهيكلي للوبي العربي :
يؤكد الكاتب أن جماعات الضغط العربية مرت بأسوأ مراحل التراجع عقب أحداث سبتمبر، بعد نجاح اللوبي الإسرائيلي في وصمها بتأييد الإرهاب، وبدأ التضييق علي تمويل ونشاط عدد كبير منها، واستهداف أعضائها ومقارها. لكنها كانت مرحلة فارقة في تأثير جماعات الضغط العربية، حيث تصاعد نشاط عدد كبير منهم، لاسيما الرابطة الوطنية للعرب الأمريكيين، والمعهد العربي - الأمريكي، لإقناع الرأي العام الأمريكي بأن الإرهاب ينبع من عدم تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي، وعدم الاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين. وينوه الكاتب إلي أن اللوبي العربي نجح حينما اتبع الاستراتيجية نفسها التي تتبعها جماعات الضغط الموالية لإسرائيل، وهي ربط أهدافه بالمصالح الوطنية الأمريكية.
ويستدل المؤلف علي نجاح ضغوط اللوبي العربي بتبني إدارة الرئيس بوش الابن لخريطة الطريق عام 2003 لتسوية القضية الفلسطينية وتعهدها بالسعي لتطبيق حل الدولتين. إلا أنه يستدرك ويشير إلي أن تأثير اللوبي العربي لم يكن العامل الوحيد الذي أدي لذلك التقدم، وإنما ارتبط بمساع أمريكية لحشد الدعم العربي للحرب علي العراق.
وفي السياق ذاته، يشير الكاتب إلي أن اللوبي العربي يعاني عوامل ضعف هيكلية تحد من فاعلية تأثيره، أهمها انقسام مؤسساته، وعدم توافقها حول خيارات موحدة فيما يتعلق بعملية التسوية. فبينما تتبني بعض المنظمات حل الدولتين، تروج أخري لحل الدولة الواحدة التي يندمج فيها الفلسطينيون والإسرائيليون، وهو حل يراه الكاتب غير عملي، ولا يمكن لأي من الطرفين أن يقبله. وأشار أيضا إلي ضعف القدرات التنظيمية لجماعات الضغط العربية، وضعف تمويلها لمرشحي الكونجرس والرئاسة، مقارنة بإسهامات اللوبي الإسرائيلي. كما تعاني مؤسسات اللوبي العربي عدم قدرة قيادتها علي ربط عملية التسوية بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وعدم تأثيرها في خيارات صانع القرار الأمريكي مقارنة باللوبي الإسرائيلي. فاللوبي العربي لم يتمكن من تقليص المساعدات الأمريكية لإسرائيل، أو دفع الولايات المتحدة للضغط علي إسرائيل لتجميد الاستيطان، أو تقديم تنازلات جدية تمثل تحولا في مسار عملية التسوية، وهو ما يعني ضمنا أن دوره غير مؤثر في السياسة الأمريكية بالشكل الذي يصوره الكاتب.