إن الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها الجزائر في عامي 2010 و2011 تنقلت من منطقة إلي أخري، وتجمعها طبيعة عدم التأطير، إلي جانب افتقارها للتواصل المنظم بين الشرائح المحتجة (شباب الأحياء الفقيرة، أساتذة التعليم المتوسط والثانوي، طلاب الجامعات، سلك النظام الصحي من أطباء وأعوان السلك الطبي بمختلف درجاتهم، إلي جانب حركات أساتذة التعليم العالي).
بيد أن حركة 5 يناير لم تكن أول الاحتجاجات الواسعة في مناطق البلاد، بل عرفت الجزائر انتفاضات شعبية قد تنفجر فجأة ولأسباب كثيرة قد تبدو واهية للمراقب غير المدقق، مثل المطالبة بالسكن، وغيرها. كما أن هذه الانتفاضات تتسم بطابعها العنيف. فعلي سبيل المثال، استخدم النظام أقصي درجات العنف في مواجهة انتفاضة الربيع القبائلي ذات المطلب الثقافي في عام 1980، التي قادها شباب الجامعات المنضوي تحت الحركة الثقافية البربرية.
كما شهدت البلاد أيضا انتفاضة سكان قسنطينة في عام 1986، ثم انتفاضة أكتوبر سنة 1988 التي كانت دافعا للإصلاحات الكبري في 1989، والتي تم التراجع عنها، مما مهد الطريق إلي انتفاضة سنة 2001 التي راح ضحيتها أكثر من 70 قتيلا، ومثلت الضربة القاضية لأحكام الدستور التعددي سنة 1989، بل أدخلت الجزائر في ممارسات سياسية جهوية التي يمثلها ما بات يعرف 'بتنسيقية العروش' التي تأسست في 14 يونيو من السنة ذاتها.
إن التراجع عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية الجذرية في شقها الاجتماعي كان أخطر نتائجه العكسية أحداث العنف المذهبي التي عرفتها منطقة وادي ميزاب ذات الأغلبية الإباضية في جنوب البلاد ما بين 2008و2010، والتي فسرها البعض بالتناحر المذهبي، برغم حقيقة أن تلك المناطق تعاني بؤسا اجتماعيا، ودلت هذه الأحداث علي انقسام جديد علي مستوي البنية الثقافية للمجتمع الجزائري.
ويظل أنه رغم أن الدوافع الظاهرة لانتفاضة الشباب في 5 يناير هي غلاء المعيشة والتوزيع غير العادل للسكنات الاجتماعية، فإن أسبابها العميقة ترجع إلي طبيعة النظام السياسي الذي كبح حريات التنظيم، والتجمع والتعبير المنظم الفاعل.