أولا- أزمة هيكلية في النظام :
تعايش النظام السياسي في مصر لسنوات طويلة مع أزمة هيكلية حادة جعلته عاجزا عن مواجهة احتجاجات منظمة، إذا شاركت فيها بضع عشرات الآلاف في بلد يزيد عدد سكانه علي ثمانين مليونا. ومن أبرز ملامح هذه الأزمة:
1- هشاشة قاعدة النظام، إذ أظهرت الأزمة النظام أقرب إلي 'هيكل عظمي بلا قاعدة ولا رأس'، حيث استهان النظام بهشاشة قاعدته الاجتماعية التي قامت علي 'زبائنية فجة' انعدم فيها الانتماء، وصار الولاء مرتبطا بمصالح مباشرة ومؤقتة في الأغلب الأعم. وازدادت هشاشة هذه القاعدة بشكل مطرد، نتيجة الزواج الذي حدث بين أبرز أركان النظام ومجموعات من أصحاب المال والثروة في العقد الأخير من عهده.
واقترن هذا الزواج بتعدد مراكز القوة داخل النظام، وظهور أنماط جديدة من التحالفات والصراعات بينها، في الوقت الذي تقلص فيه دور رأس هذا النظام مع تقدم العمر، وتراجع الطاقة، وتناقص القدرة الجسدية والذهنية، فبدا نظاما بلا رأس ولا عقل يوجهه، وبدون قاعدة يستند عليها.
واستعاض النظام عن القاعدة الاجتماعية بجهاز أمن تغول وتغلغل في أعماق المجتمع ، فبدا كما لو أنه قوة لا تقهر. ولم يقرأ أركان النظام دلالة الثورات الجديدة التي حدثت في العقد الأول في القرن العشرين في بعض بلاد شرق أوروبا ووسط آسيا ، بدءا من صربيا عام 2000 ، وحتي قرغيزستان عام 2005 ، مرورا بأوكرانيا عام 2003 ، وجورجيا عام 2004 .
كان الجهاز الأمني قويا في هذه البلاد، بل طاغيا باطشا في بعضها، لكنه انهار في أيام، وأحيانا في ساعات، بل بدا في بعضها كما لو أنه تبخر.
2- زواج التوريث والمال، إذ أسهم هذا المشروع الذي استهدف نقل السلطة إلي جمال مبارك، نجل الرئيس السابق، في مفاقمة الأزمة الهيكلية للنظام، حيث اقتضي هذا المشروع إطلاق يد جهاز الأمن، الذي ثبت أنه كان أداة رئيسية فيه، وتوسيع نفوذه علي نحو أدي إلي تراكم شحنات هائلة من الغضب الشعبي، الذي نتج عن عوامل، أهمها الظلم الذي مارسه هذا الجهاز قتلا وتعذيبا وإهانة لكرامة الناس، وإهدارا لآدميتهم.
كما اعتمد هذا المشروع علي طبقة جديدة من رجال المال والثروة، تم صنع بعضهم، وتضخيم البعض الآخر بوسائل غير مشروعة، كان أهمها وأخطرها منحهم مساحات واسعة من الأرض، في إطار 'إقطاع عقاري'، تهون مفاسد الإقطاع الزراعي القديم مقارنة به... (ملخص)