في الأول من ديسمبر عام 2009،_ أصبحت معاهدة لشبونة قانونا، ودخلت حيز التنفيذ وسط احتفاء أوروبي واسع بالمعاهدة التي يعرف أنها بديل لمشروع الدستور الأوروبي الذي طال الخلاف حوله، وتحقيق لحلم إصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبي وتطويرها بما يجعلها أكثر كفاءة للتعامل مع التوسع المستمر في الرقعة الجغرافية، والتنوع الديموجرافي للاتحاد، وبالطبع ما يعنيه هذا من مسئوليات سياسية واقتصادية. الاحتفاء أيضا كان بالمنصبين اللذين استحدثتهما المعاهدة، وهما أول رئيس لمجلس الاتحاد الأوروبي، وأول ممثل أعلي للاتحاد أو ما يشبه القائم بمهام وزير خارجية الاتحاد، في خطوة اعتبرت بداية الطريق لوجود الاتحاد بشكل أقوي علي الساحة الدولية.
لكن الإقرار والاحتفاء لم يزيلا اللبس القائم حول حقيقة الإصلاح المؤسسي الذي حققته معاهدة لشبونة، أو يجيبا علي السؤال حول مدي اختلافها عن مشروع الدستور الموحد الذي قامت علي أنقاضه، وكذلك سبب الانتقادات التي نالتها المعاهدة. جاءت معاهدة لشبونة إلي الحياة علي أنقاض مشروع الدستور الأوروبي الموحد الذي انطلق عام 2001 بهدف إصلاح مؤسسات الاتحاد، وجعلها أكثر فاعلية، وإعادة قراءة وتبسيط المعاهدات الأوروبية السابقة. ولكن الدستور سقط أمام تصويت فرنسا وهولندا بمعارضته عام 2005، وتركزت المعارضة علي كون الدستور سيسلب من الدول المنفردة سيادتها قانونيا وسياسيا، ويحولها إلي مجرد أجزاء داخل الكيان الأوروبي العملاق.
في يونيو 2007، كان تبني الاتحاد الأوروبي للنسخة الأولي من المعاهدة، والتي نالت الكثير من التعديلات، ليتم إقرار النسخة النهائية منها في أكتوبر 2007. وبداية من ديسمبر 2007، توالي تصديق الدول ال- 27 الأعضاء علي المعاهدة. ولم يخل الأمر من بعض العثرات، مثل طرح أيرلندا المعاهدة للتصويت الشعبي، رغم اعتبارها إصلاحا وتعديلا علي ما سبق من معاهدات وليست بديلة لها. ثم كان تصويت الأيرلنديين ضد المعاهدة في يونيو 2008 قبل إقرارها نهائيا في أكتوبر 2009. وهناك أيضا اشتراط جمهورية التشيك بحصولها علي ضمانات بعدم تطبيق بعض القوانين الخاصة بحقوق الملكية عليها، هربا من مطالب الألمان الذين تم طردهم خلال الحرب العالمية الثانية، قبل توقيع رئيس التشيك فكلاف كلاوس بإقرار المعاهدة في نوفمبر 2009.
أما عن حجم الإصلاح المؤسسي الذي جاءت به المعاهدة ومدي اختلافها عن الدستور الأوروبي الذي وئد مشروعا، فيستلزم ذلك مراجعة سريعة لأهم بنود المعاهدة:
- المنصبان المستحدثان في مقدمة التغييرات التي جاءت بها معاهدة لشبونة، كما أنهما من أهم النقاط التي انتقلت من مشروع الدستور الأوروبي أيضا. فوفقا للمعاهدة، يتم تعيين رئيسا للمجلس الأوروبي لفترة ولاية تمتد لعامين ونصف عام، علي أن يتم تجديدها مرة واحدة. الاختيار سيتم بواسطة أعضاء المجلس الأوروبي، والمكون من زعماء ورؤساء وزارات الدول ال- 27 المؤلفين للاتحاد. تتركز مهام هذا الرئيس علي التنسيق بين الزعماء أعضاء المجلس، وإن لم يحل منصبه محل الرئاسة الدورية التي تتولاها إحدي دول الاتحاد كل ستة أشهر. فسوف يترأس زعيم الدولة صاحبة الرئاسة الدورية الاجتماعات الوزارية للمجلس. وبالفعل، تم انتخاب رئيس بلجيكا السابق، هيرمان فان رومبي، كأول رئيس للمجلس الأوروبي.
- كما تم استحداث منصب الممثل الأعلي للاتحاد للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، والذي ضم مهام الممثل الأعلي للشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، ومفوض الشئون الخارجية بالاتحاد، ليكون الأقرب إلي وزير خارجية الأسرة الأوروبية والمتحدث باسمها دوليا. وفي دعم إضافي لمساعي تطوير الدور الخارجي للاتحاد، تضمنت المعاهدة بندا حول تشكيل سلسلة السفارات، أو ما يطلق عليها 'الهيئات الأوروبية للعمل الخارجي'. وتم انتخاب السياسية البريطانية كاثرين أشتون كأول من يشغل منصب الممثل الأعلي للاتحاد.
- من البنود التي تم الاحتفاظ بها عقب سقوط الدستور وإقرارها في إطار المعاهدة، كان منح البرلمان الأوروبي صلاحيات جديدة كهيئة تشريعية في عديد من المجالات، وتحديدا التعاون القضائي بين دول الاتحاد وتنسيق عمل أجهزة الشرطة في الدول ال- 27، فضلا عن مسألة الميزانية الأوروبية، مع زيادة حجم أعضاء البرلمان إلي نحو 751 عضوا، ومنح صلاحيات جديدة لكل من المفوضية الأوروبية، ومحكمة العدل الأوروبية.
- إلغاء حق النقض 'الفيتو' الذي تتمتع به الدول المنفردة فيما يخص سياسات الاتحاد في عدد من المجالات، وتحديدا محاربة التغييرات المناخية، والطاقة، والمساعدات الدولية الطارئة.
ولكن حق نقض دول الاتحاد لا يزال قائما فيما يتعلق بالسياسات الدفاعية تحديدا، ونظام فرض الضرائب، والسياسة الخارجية.
- إقرار نظام جديد للتصويت، ولكن خلال الفترة من عامي 2014 و2017، بديلا عن النظام الحالي القائم علي فكرة الثقل الانتخابي، بحيث تحصل كل دولة علي عدد من الأصوات بالتناسب مع حجم سكانها. فدولة مثل ألمانيا، مثلا، تحصل علي 29
صوتا، وفقا لهذا النظام. ولكن النظام المنتظر تطبيقه، والذي قابلته الدول ذات الثقل السكاني بمعارضة واضحة، يمنح كل دولة صوتا واحدا فقط. ولكن تمرير أي قرار يجب أن ينال دعم 55% من إجمالي دول الاتحاد، علي أن تمثل هذه الدول 65% من إجمالي حجم سكان الأسرة الأوروبية.
وهذه كانت أغلب النقاط التي تم الاحتفاظ بها من مشروع الدستور الأوروبي وتمريرها تحت مظلة معاهدة لشبونة. ولكن المعاهدة جاءت أيضا باختلافات واضحة عن الدستور، وأهمها:
- إلغاء فكرة أن تكون المعاهدة بديلا لكل ما سبق من معاهدات واتفاقات منظمة للاتحاد الأوروبي، وإنما تأتي كتعديل وإصلاح وإضافة لما سبق، وهوما أفاد في عدم سقوط المعاهدة في فخ التصويت الشعبي بالدول ال- 27، إلا في حالة ما جري مع أيرلندا.
- الإشارة إلي ميثاق الحقوق الرئيسية والمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان كمصادر إلزامية للتشريعات الخاصة بحماية حقوق الإنسان في القانون الأوروبي.
- يمكن لمواطني الاتحاد الأوروبي المشاركة بشكل مباشر في طرح مشاريع القوانين وتعديلاتها من خلال آلية جديدة، أطلق عليها 'مبادرة المواطنين'، والتي تتيح لمواطني الاتحاد التقدم باقتراحات القوانين، والتعليق عليها بشكل مباشر، إلي المفوضية الأوروبية.
- تتم الإشارة إلي الاتحاد بوصفه كيانا واحدا له شخصية قانونية واحدة بعيدا عن فكرة الدعائم الثلاث للاتحاد، والتي أقرتها معاهدة ماستريخت عام 2991. وفقا لذلك، يمكن للاتحاد إبرام الاتفاقيات مع الدول والجهات العالمية، وتكون ملزمة للدول الأعضاء به، فضلا عن إمكانية تحدثه باسم دوله.
هذه كانت أبرز بنود معاهدة لشبونة التي جاءت بعد طول انتظار، والتي يعتقد أنها تمهد لعهد قادم من الفيدرالية الأوروبية، ولكن المسألة لا تخلو من بعض السقطات والانتقادات.
فبالإضافة إلي عدم وضوح دور الرئيس الجديد مثلا للمجلس الأوروبي وتعيينه بدلا من انتخابه، هناك أيضا حجم الضمانات والاستثناءات التي نالتها عدد من الدول الأعضاء مقابل التصديق علي معاهدة لشبونة، والتي تجعل الإصلاح والتعديل منقوصا، والكلمة العليا لاتزال لفكرة القومية الفردية للدول.
فمثلا :
- حصلت بريطانيا علي ضمانات بعدم استخدام ميثاق الحقوق الأساسية كسبيل لتغيير قانون العمل البريطاني وعدم المساس بقوانين الحقوق الاجتماعية في المملكة المتحدة.
- نالت بولندا حصانة مشابهة من بنود الميثاق المتعلقة بشئون الأسرة وقضايا الإجهاض.
- حصلت كل من بريطانيا وجمهورية أيرلندا علي ضمان ضد تعديل قوانينهما فيما يخص قضايا اللجوء السياسي والهجرة. كما احتفظتا بحقهما السيادي فيما يخص الشئون القضائية، وكذلك بالنسبة للدنمارك.
- اشتراطات جمهورية التشيك بصدد حقوق الملكية، والتي سبق الإشارة إليها.
مصادر :
- الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية www.bbc.com
- موقع بوابة الاتحاد الأوروبي www.europa.eu
- معهد الشئون الدولية والأوروبية http://www.iiea.com/home