يقر تنظيم الإخوان المسلمين كل الفلسفات الخاصة بالعمل المسلح وتأهيل أتباعه لذلك، كما أنه يرفع لافتة العمل الدعوي في الوقت ذاته، وبين هذا وذاك قد ينتقد تنظيمات العنف انتقادًا علانية بغية إيصال رسالة فحواها أنه يعبر عن جماعة دعوية بينما هو في حقيقة الأمر خلاف ذلك. ولكن في الأغلب الأعم يمثل «التنظيم» مفرخا لكل التنظيمات المتطرفة التي تستفيد من شرعية وجودها واعتراف بعض الأنظمة السياسية في بعض بلداننا العربية بها لبناء مشروعها السياسي والعقائدي.
رغم علاقة التباين التي كان يحاول تنظيم الإخوان المسلمين إقناعنا به مع جماعات العنف والتطرف الديني عبر مئات البيانات التي كانت تصدر عنه ينتقد فيها اتجاه بعض الجماعات للعنف، فإنه دافع عن هذه التنظيمات عندما وصل للسلطة بمصر في عام 2012 وشاركها الحكم، ونفهم من هنا أن الخلاف بين الحركة الأم «الإخوان المسلمين» والتنظيمات المتطرفة الأخرى خلاف تكتيكي وليس له علاقة بمنهج هذه التنظيمات ولا خصوصية منهج «الإخوان» نفسه كما عبرت عن ذلك أدبياتهم المروية.
تنظيم الإخوان المسلمين له علاقة بمفهوم العنف، سواء على المستوى التنظيمي أو الفكري، فهو دائمًا ما يقوم بتدريس الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والسير التي تحرض على القتال لأتباعه ضمن محاضنهم التربوية، مع فلسفة هذا القتال وشرعنته بين بقية النّاس، وذكاء «التنظيم» وقادته دفعهم لاستدعاء العنف في الوقت والزمان المناسبين بالنسبة لهم.
تنظيم الإخوان المسلمين عمم كثيرا من الأفكار التي وضعها المؤسس الأول حسن البنا للنظام الخاص، في محاولة لإنتاج نظام شبه عسكري يكون على أهبة الاستعداد، ومحصنًا فكريًا ومهيأ تنظيميًا، وتبقى درجة العنف التي يستخدمها التنظيم وتوقيت هذا الاستخدام حتى تُحافظ الجماعة على صورتها عند قطاع ليس صغيرًا من الناس، بحيث يظهر على أنه جماعة دعوية ليس له علاقة بالعنف أو أنه طلق العنف الذي مارسه النظام الخاص للأبد!
نعرض للقارئ الكريم بعضًا من أدبيات الإخوان في تربية أعضائها في بدايات «الدعوة الأولى»، والتي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك علاقة «التنظيم» بالعنف، وأن هذه العلاقة مباشرة ومتفردة في شكلها ومضمونها ينسحب منها أي شك في العلاقة المذكورة.
كان تنظيم الإخوان المسلمين يضع برنامجًا تربويًا لأعضائه، خاصة النظام الخاص، يتناول دراسة العقيدة ما بين حفظ وتلاوة القرآن الكريم وحفظ الأحاديث والتركيز على الاستشهادات التي تُحرض على القتال في سبيل الله، فضلًا على دراسة السيرة النبوية والفقه والدعوة والرياضات المختلفة وغيرها من البرامج، والتي كانت تنتهي بامتحانٍ كل شهرين أو ثلاثة أشهر، وآخر بعد الشهر الحادي عشر لمعرفة مدى أخذ الإخوان بالبرامج التي وضعت لهم.
تتنوع الأسئلة التي وضعت للمجموعات النوعية للإخوان أو نظامها العسكري وذراعها العسكرية، والتي يمتحنون فيها كما يقول صاحب كتاب «النقط فوق الحروف.. الإخوان المسلمون والنظام الخاص» لصاحبه أحمد عادل كمال، عضو النظام الخاص للجماعة، ما بين أسئلة تختبر خبرتهم العسكرية والقانونية والدينية التي اكتسبوها طوال فترات التدريب.
من هذه الأسئلة السؤال الحادي عشر- الأسلحة الصغيرة -(16 درجة)
اذكر ما تعرفه عن ميزات قنبلة الأنيرجيا، وفيم تستعمل؟
أما السؤال الثاني عشر- المفرقعات- (20 درجة)
فهو: احتجت إلى قنبلة 75 ولم تجدها، اذكر تفصيلًا كيف تجهزها محليًا؟ وما استعمالها؟
وسؤال آخر عن استعمال النسف بالكهرباء واستعمال النسف بالفتيل؟
كان الامتحان الذي وضعت له درجات في زمن 180 دقيقة يتعدى إلى المعلومات العامة التي يُطلب فيها من الممتحنين، في سؤاله الثالث عشر والأخير، الوصف في سبعة أسطر جلسة شهدتها في محكمة الجنايات؟، ثم ينتهي بسؤال آخر بأن يعلل الممتحن صلته بمن معه؟
كان التنظيم يضع برنامجًا عمليًا للدراسة في الفقه والسيرة والسنة وموضوعات تتعلق بطبيعة العمل العسكري، كما بدا واضحًا في نوعية الأسئلة في الامتحان السابق. وكان هذا البرنامج يوضع حسب حاجات التنظيم، فكانوا يضعون لكل شهر برنامجا مختلفا، ويعقدون كل شهرين أو ثلاثة أشهر اختبارًا يوضح مدى أخذ الإخوان بالبرنامج، ويكون الامتحان بعد الشهر الحادي عشر لجميع مواد البرنامج، وكان الشهر الثاني عشر مراجعة شاملة ثمّ يكون الاختبار النهائي بعد الشهر الثاني عشر.
ففي أحد الاختبارات التي سميت بالمرحلة الأولى- الامتحان النهائي- وكان زمنه 180 دقيقة، جاء في "سابعًا": التكتيك (21 درجة)
1- اشرح باختصار تكتيكات الانسحاب.
2- ما أهمية الدوريات؟ وما أنواعها؟
3- ما القواعد التي يجب على قائد الجماعة أن يراعيها حال تسلل جماعته نحو العدو؟
وجاء في الامتحان نفسه في "ثامنًا" تحت عنوان حرب العصابات
1- اذكر مواضع الطعن القاتلة وكيف تصيبها من خصمك؟
2- اشرح كوكتيل مولوتوف وكيفية استعماله؟
وفي سؤال آخر بعنوان الأسلحة الصغيرة، وكان ترتيبه الحادي عشر ودرجته في الامتحان 16 درجة:
1- اذكر ما تعرفه عن ميزات قنبلة الأنيرجيا، وفيم تستعمل؟
أما السؤال الثاني عشر، وكان عنوانه المفرقعات، وكانت درجته 20 درجة، فقد جاء كالتالي:
1-اشرح الوصلات الآتية: البسيطة- الصندوقية- ورقة الشجر حرف y- الإسبانية.
2- احتجت إلى قنبلة 75 ولم تجدها، اذكر تفصيلًا كيف تنجزها محليًا؟ وما استعمالها؟
3- اذكر ميزات استعمال النسف بالكهرباء واستعمال النسف بالفتيل؟
كان برنامج الإخوان المسلمين يتم توزيعه ما بين القرآن الكريم، سواء تلاوة أو حفظ أو مدارسة علوم القرآن المختلفة والحديث والسنة، وكان يُلزم العضو بحفظ أربعين حديثًا صحيحًا أو السيرة النبوية أو الفقه، وكان يَدرس من فقه السنة بأجزائه الثلاثة، وكان العضو يلزم بحضور «كتيبة» كل شهر، ويُعلم المصارعة الياباني. كانت الدراسة نظرية وعملية في ذلك الوقت، وكان يُوصي بإعدادها بالنسبة لكل منطقة جغرافية ويُؤدي فيها امتحان عملي، كما كان العضو يُلزم بممارسة رياضة السويدي، وتمرين ما بين 15 و 20 دقيقة يوميًا، والتدريب على استخدام الأسئلة الصغيرة، دراسة نظرية وتطبيقا عمليا، ويتم التدريب أيضًا على حرب العصابات، ودراسة علم المفرقعات، ودراسة تكتيك الميدان فى أثناء المعارك الدائرة، من خلال رسائل تصل إلى كل الأعضاء.
وضع هذا البرنامج في مايو 1952 حتى يجد حظه من التطبيق بين أعضاء الإخوان من النظام الخاص، وتم تعميمه بين الإخوان من غير أعضاء النظام الخاص، وانتقل البرنامج من القاهرة إلى غيرها من المحافظات، ومنها إلى غيرها من الأقطار الأخرى، ولعله يمثل أهم رسائل العنف في فكر تنظيم الإخوان المسلمين.