يواجه الرئيس الإيراني حسن روحانى ضغوطا حادة من المعارضة، فضلا عن بعض رموز التيار المحافظ، إثر تفاقم الأزمة الاقتصاديةـ، وتبعاتها السياسية والاجتماعية على الداخل الإيرانى، وذلك عقب إعادة فرض العقوبات الأمريكية، على خلفية انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى الإيرانى.
لقد استدعى نواب البرلمان الإيراني الرئيس روحانى في جلسة يوم الثلاثاء 28 أغسطس 2018 للرد على تساؤلات تتعلق بفشل الحكومة فى إدارة الملفات الاقتصادية والسياسية، مما قد يُنذر بمزيد من التوتر بين مؤسسات الداخل الإيرانى، خاصة أن الاستدعاء البرلمانى قد سبقه إقالة وزير العمل الإيراني، علي ربيعي، ووزير الاقتصاد، مسعود كاربسيان، واللذين مرا باستجواب برلماني انتهى إلى سحب الثقة منهما، على خلفية ارتفاع الأسعار، وانهيار العملة المحلية، لتدخل بذلك طهران في مرحلة اضطراب جديدة.
رسائل روحانى
بموجب المادة "88" من الدستور الإيرانى، والتي تشير إلى حق ربع أعضاء مجلس الشوري الإسلامي على الأقل في طرح أسئلة على رئيس الجمهورية بشأن واجباته، استجاب الرئيس روحاني إلى المجلس، وقدم إفادته حول خمسة ملفات رئيسية، كانت محور جلسة المساءلة، أولها: عدم نجاح الحكومة في التحكم بتهريب السلع والعملات الأجنبية. وثانيها: استمرار العقوبات على التعاملات المصرفية، خلال فترة تطبيق الاتفاق النووي، وثالثها، تراخى الحكومة وعدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لخفض معدل البطالة. ورابعها: تنامي الركود الاقتصادي الذي استمر لعدة سنوات. وخامسا وأخيرا: ملف انخفاض سعر العملة الوطنية.
وعلى الرغم من عدم اقتناع نواب البرلمان بسياسات الرئيس روحانى حول الملفات الخمسة المطروحة للنقاش، فإن إستجابة روحانى لمساءلة مجلس الشورى الإسلامى بعثت رسائل للداخل والخارج، من أبرزها ما يلي:
أولا- الأولوية للأمة، حيث إن الإستجابة لتوصيات اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، فضلا عن تعيين عبد الناصر همتي، محل ولى الله سيف رئيسا للبنك المركزى، بالإضافة لإعادة تشكيل فريق اقتصادي جديد لدية القدرة على مواجهة تداعيات العقوبات الأمريكية، جاءت كمغازلة للشارع الإيرانى، فى ظل تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية.
ثانيا- احترام المؤسساتية، عبر تأكيد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة مؤسسات. وبالتالي، ففي حال بروز أي خلل لدى إحدى السلطات، فإن السلطات الأخرى تمارس دورها الرقابي في معالجة هذا الخلل، وفق الأطر القانونية.
ثالثا- الالتزام بالديمقراطية، حيث إن استجابة روحانى حملت رسالة أراد بها التأكيد على أن جلسة مساءلة البرلمان لم تكن لتُعبر عن تصدع ما بين الحكومة والمجلس، وإنما جاءت لتُعبر على احترام السلطات الإيرانية لحق الشعب فى الحصول على إجابات وفقا لـ "مساءلة علنية، تطبيقا لمعايير الشفافية والحوكمة والديمقراطية. فالشعب هو صانع القرار وفقا لتصريحات الرئيس روحانى.
رابعا- التشكيك بالخارج، حيث إن استجابة روحانى لمجلس الشورى الإسلامى بعثت رسالة للخارج، خاصة الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب الساعى لتقويض النظام الإيرانى. ذلك أن حضور الرئيس روحاني للبرلمان جاء ليؤكد على حالة التوافق بين النظام والشعب، وهو ما تمثل فى الاستجابة للمساءلة العلنية.
خيارات محتملة
ثمة عدد من الخيارات الإيرانية لمواجهة الانعكاسات السلبية للعقوبات الأمريكية، ومن أبرزها ما يلي:
1) انتهاج سياسة "النقاط الحرجة": حيث قد يقدم النظام الإيرانى تنازلات سياسية فى اللحظات الأخيرة للإدارة الأمريكية، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يعرف بـ "سياسة النقاط الحرجة" أو "سياسة حافة الهوية"، وذلك للحيلولة دون الانهيار الداخلى أو سقوط النظام. وتشير تجارب إيران في مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية إلى ذلك الاتجاه التفاوضي، بالنظر إلى حالة إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين عام 1981، وقبول السلام مع العراق عام 1988، وكذلك الرضوخ للتفاوض وتوقيع الإتفاق النووى مع القوى الغربية فى عام 2015.
2) سياسة الإصلاح الاقتصادى: حيث يُعلن النظام الإيراني عن تبنيه لبرامج للإصلاح الاقتصادى، وقد تحمل تلك البرامج فى جوهرها إصلاحاً حقيقيا، وذلك كأن، يتم هيكلة برامج مالية أو نقدية بعينها، كخفض النفقات العامة إلى أقصى حد، وزيادة الإيرادات المالية للدولة لتعويض النقص المتوقع فيها، أو أن يكون الإصلاح بمنزلة سياسة "إحادية التوجيه"، بهدف كسب التأييد الشعبى، والحفاظ على استقرار الأمن المجتمعي في المقام الأول، كأن تفعل الإعانات النقدية للفقراء التي سبق وأقرها الرئيس السابق أحمدي نجاد فى أثناء العقوبات الاقتصادية، ثم جاء روحاني وألغاها لتقليل النفقات، أو ربما منح إعانات البطالة لاحتواء غضب الشباب. وهو ما لا يتوافق والوضع الاقتصادى الحالى لإيران، بما قد يفرض إما الاتجاه إلى الاستدانة من الخارج، أو زيادة الأنشطة التهريبية لتنمية الموارد المالية.
3) الاتجاه إلى الاقتصاد الإحلالى، وهو ما دعا له من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي في عام 2012، ردا على الحصار الغربي لإيران، كسياسة اقتصادية قائمة على إحلال الواردات، وتشجيع المنتج المحلي بدلاً من الاستثمار الأجنبي، وإن كان ذلك سيتيح دورًا أكبر للتدخل الحكومي فى النشاط الاقتصادى، ولمؤسسات الحرس الثورى الاقتصادية، ولمؤسسات شبه الدولة التابعة للسلطة الدينية، أو ما يطلق عليه " بنياد"، مقابل زيادة فى تهميش القطاع الخاص في المستقبل.
4) التعويل على الدعم الاقتصادي من حكومات حليفة، كالعراق أو قطر أو تركيا، وذلك قياسا على المنحنى التصاعدى لمعدلات التبادل التجارى بين طهران وتلك الدول، أو مع الحلفاء التجاريين الدوليين، كالاتحاد الأوروبي، أحد أكبر الشركاء التجاريين لإيران. أضف إلى ذلك، تنمية العلاقات الاقتصادية مع أبرز مشتري النفط الإيراني، كالصين، والهند، وكوريا الجنوبية، واليابان، أو ربما حلفاء آخرين، كروسيا حيث إن أغلب التبادل التجاري بين موسكو طهران تمحور حول المجال العسكري في السنوات الماضية، حتى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بعد رفع العقوبات الغربية عن إيران لم يتعد 2.2 مليار دولار بنهاية 2016. لذلك، فربما، مع تفاقم الانعكاسات السلبية للعقوبات الأمريكية، يتم تفعيل اتفاقيات النفط الإيراني مقابل البضائع أو المعدات الروسية بدرجة أكبر مستقبلا.
5) الالتفاف على العقوبات الأمريكية، وذلك بتقليل الآثار السلبية لتلك العقوبات على الاقتصاد الإيرانى، والاستعانة بـ "الطرق الملتوية" لزيادة الإيرادات المالية للدولة، مثل: تهريب العملة الأجنبية عبر وكلاء وتجار أو دول داعمة، وبيع النّفط بالدولار الأمريكي عبر إحدى دول الجوار، أو بيع النفط بأسعار أقل مقابل النقد الفورى، أو الدخول في صفقات مقايضة البضائع والخدمات بالنفط الإيراني.
6) المحاصرة الأمنية لدول الجوار الإيراني، فقد يلجأ نظام روحانى إلى نشر التهديدات الأمنية بالإقليم، وذلك كالتهديد بإغلاق الطرق الملاحية أمام التجارة الدولية، أو التحرش بالسفن التجارية الدولية العابرة في الممرات الدولية، أو كما صرح حسن روحاني، بتأييد من قاسم سليماني قائد الحرس الثوري، بإغراق المنطقة بالمخدرات، والتهديد بمنع إمدادات النفط عن العالم بإغلاق مضيق هرمز، وذلك لضرب استقرار المنطقة والدول الصناعية الكبرى، كورقة ضغط لتحسين شروط إعادة التفاوض مع الإدارة الأمريكية.
خلاصة القول: إن إعادة فرض العقوبات الأمريكية، إثر الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، قد أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران بما قد يؤثر تدريجيا على خريطة التوازنات السياسية في الداخل الإيرانى ومدى استقرار مؤسساته السياسية. إذ قد يؤدي ذلك إلى عدد من التداعيات المُحتملة على مستقبل النظام السياسى ورموزه، خاصة أن روحاني بدأ يفقد تدريجيًا دعم القوى الإصلاحية المعتدلة التي أيدته قبل ذلك ومكنته من الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية لفترتين متتاليتين، لاسيما مع تزايد معدلات الاحتجاجات بالمدن الرئيسية الإيرانية، فضلا عن انشغال روحاني باسترضاء الخصوم السياسيين والتيار المحافظ المتشدد.
وأخيراً، فإن تصاعد حدة الأزمات بالداخل الإيراني، وتحميل روحانى عبء الفشل فى إدارة الملفات الداخلية والخارجية قد يضعف تيار المعتدلين فى المستقبل، ويهدد باستمرار نفوذهم داخل مؤسسات الدولة، خلال المرحلة القادمة، مما قد يمنح الفرصة للتيار المتشدد للتغلب على حالة الانقسام الداخلى وإعادة تشكيل رموزه فى مواجهه تيار الاعتدال السياسى وقوى الإصلاح بالنظام، والعودة لسيناريو ما قبل عام 2005.