في تحرك استباقي من تركيا، بدأت عملية عفرين يوم 19 يناير 2018 لطرد المقاتلين الأكراد من البلدة السورية حسبما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبدأ الجيش التركي اتخاذ أولى الخطوات التصعيدية ضد الفصائل الكردية المسيطرة على شمال سوريا بقصف عدد من القرى في مدينة عفرين شمالي سوريا.
وقد تزامنت هذه العملية مع إعلان قوات التحالف الدولي ضد "داعش"، والتي تقودها واشنطن، إنشاء قوة حدودية تخضع لقوات سوريا الديمقراطية قوامها 30 ألف مقاتل، هدفها توفير أمن الحدود، ودعم واشنطن قوة المقاتلين الأكراد في سوريا، وتحديدا وحدات حماية الشعب، التي تشكّل عصب قوات سوريا الديمقراطية، والتي تصفها أنقرة بالإرهابية وترغب بطردها من شمال سوريا، نظرا لروابط هذه الوحدات بحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تحاربه تركيا بقوة.
وانطلقت العملية العسكرية التركية رغم مطالبة الولايات المتحدة لتركيا بعدم شنها، ووسط قلق مسئولين أمريكيين على قوات أمريكية في مدينة منبج، التي أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنها ستكون التالية بعد عفرين. وتتهم أنقرة واشنطن بأنها تريد إنشاء "جيش من الإرهابيين" على الحدود التركية- السورية.
وأيضا تزامنت العملية مع الوقت الذي تسعى فيه كافة الأطراف إلى تسوية سياسية في سوريا في مؤتمر سوتشي الذي عقد في الفترة من 30 -31 يناير الماضى، مما يعني أن ثمة تداعيات جراء هذه العملية على التسوية السياسية في سوريا كما أن لها تداعياتها على الأمن القومي السوري والعربي.
أهداف عملية عفرين:
تمثل عفرين أهمية استثنائية لتركيا، كونها تمثل صلب مشروع الفيدرالية الكردية، رغم سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على القامشلي والحسكة وشمال الرقة، وجميعها متاخمة للحدود التركية، ولذا تسعى تركيا من "عملية عفرين" إلى تحقيق عدة أهداف منها:
1- منع أكراد سوريا من السيطرة على الشريط الحدودي مع تركيا أو إقامة منطقة حكم ذاتي هناك. وتدرك تركيا في هذا الإطار أن مشروع "الفيدرالية الكردية" لن يكتمل من دون ضم منطقة عفرين إليه، أو على الأقل سيمكن في هذه الحالة احتواؤه من خلال حصاره اقتصاديا، ومن ثم إخضاعه سياسيا بسهولة. ولهذا فإن تحديد مصير عفرين يمثل أولوية على أجندة الأمن القومي لتركيا.
2- فتح الباب أمام القوات التركية للسيطرة على منطقة منبج وانتزاعها من الوحدات الكردية، حيث تعد منطقة عفرين نقطة ارتكاز لربط المناطق التي طهرتها عملية درع الفرات، والتي تشمل مثلث "إعزاز- الباب- جرابلس"، وربطها بمنطقة إدلب. ومن ثم، فإن السيطرة على منطقة عفرين تعنى فتح الباب أمام القوات التركية للسيطرة على منطقة منبج وانتزاعها من الوحدات الكردية، ممّا يعني توجيه ضربة قوية لواشنطن التي ترى في أكراد سوريا مدخلا للتمدد الأمريكي في سوريا، بالإضافة إلى كونها شوكة في خاصرة تنظيم "داعش".
3- رغبة تركيا في إعادة ترتيب المناطق الحدودية مع سوريا. فبعد أن كانت المقاربة التركية تجاه الصراع السوري تقوم على إسقاط الأسد، تحول تركيزها من الإطاحة به إلى تأمين حدودها.
دلالات عملية عفرين:
1-وجود خلاف قوي بين واشنطن وأنقرة حيث توقعت الأخيرة وقف واشنطن دعم الأكراد في سوريا مع قرب انتهاء عملية محاربة "داعش"، ولذا اعتبرت أنقرة إنشاء واشنطن قوات كردية "لعباً بالنار"، فضلا عن رفضها تسليم جولن المتهم بتدبير انقلاب يوليو 2016، وإدانة القضاء الأمريكي نائب رئيس بنك خلق التركي، محمد هاكان أتيلا، بتهمة التحايل لخرق العقوبات على إيران، في حين ادعت أمريكا أن الهدف من إنشاء هذه القوة هو توفير أمن الحدود، ولحماية مناطق نفوذ "قوات سوريا الديمقراطية" شمال شرقي سوريا، مما يعني أن لإعلان واشنطن إنشاء هذه القوة بعداً جديداً لمخططات الولايات المتحدة، ليس في سوريا، بل كذلك في العراق وهو ما يقلق أنقرة.
2-سعى الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في سوريا من خلال حليف سياسي يتيح لها دورا أكبر في معادلة مستقبل سوريا، سواء استمر نظام الأسد أو لم يستمر على اعتبار أن المجلس الوطني الكردي، المكون من عدة أحزاب كردية، يوجد ضمن الائتلاف السوري المعارض.
تداعيات العملية على التسوية السياسية:
1-ألقت عملية عفرين بظلالها على مؤتمر سوتشي، حيث قاطع الأكراد المؤتمر، مما يعني أن فصيلا أساسيا من الشعب السوري لم يكن ممثلا في المؤتمر في حين حضر ممثلو المعارضة الخارجية من جنيف، والقاهرة، وموسكو، وأنقرة، ومختلف عرقيات المجتمع السوري، حيث حضره 1511 مشاركا من جميع مكونات المجتمع السوري العرقية والطائفية والسياسية والاجتماعية، ومنهم 107 عن المعارضة الخارجية من إجمالي 1600 شخص وجهت روسيا لهم الدعوة رسميا للحضور.
2- ستقوض عملية عفرين جهود الحلول السياسية القائمة وجهود مكافحة الإرهاب في سوريا، وهذا ما أعربت عنه مصر في بيانها الصادر عن وزارة الخارجية يوم 21 يناير الجاري من ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي السورية وكذلك انخراط جميع أطياف الشعب السوري في مفاوضات جادة في إطار عملية سياسية تتسم بالشمولية والموضوعية دون إقصاء لأي طرف، ولذا رفضت مصر العمليات العسكرية باعتبارها تمثل انتهاكاً جديداً للسيادة السورية، وتقوض جهود الحلول السياسية القائمة وجهود مكافحة الإرهاب في سوريا.
3- سوف تساعد عملية عفرين تركيا على تعظيم وجودها على الأرض وتغيير معادلة موازين القوى، وهو الأمر الذي يكرس النفوذ التركي داخل سوريا، ويجعل منها طرفا أساسيا في عملية التسوية السياسية المرتقبة، بالإضافة إلى رغبة أنقرة في تعويض خسارتها، بعدما مُنعت من المشاركة في معركة تحرير الرقة والموصل، بقرار من الولايات المتحدة.
4- دفعت عملية عفرين للتشكيك في مصداقية الأطراف الراعية للتسوية السياسية في مؤتمر سوتشي الآن خاصة تركيا وروسيا، حيث رأت أطراف سورية أن تركيا وروسيا دولتان ضامنتان للعملية العسكرية التركية في عفرين، وهذا ما يتناقض مع مبدأ الحوار السياسي حين رأت هذه الأطراف أن الدول الضامنة تنحاز إلى الخيار العسكري.
5- مررت كل من روسيا وإيران عملية عفرين لرفضهما الخطوة الأمريكية بإنشاء "قوة الحدود" بقيادة كردية، كونها يمكن أن تؤدى إلى تقليص النفوذ الروسي من جهة، وإنهاء احتكار روسيا للحل السياسي للأزمة السورية، من جهة ثانية. لذلك اعتبرت موسكو أن الإعلان عن تأسيس هذه القوات الجديدة، التي ستفرض سيطرتها على المناطق الحدودية مع العراق وتركيا وفي شرق الفرات، يعنى العمل على إضعاف وحدة الأراضي السورية، وأعادت تأكيد أن الحل يكمن في الحوار السوري- السوري، باعتباره الآلية الصحيحة لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي ينص على وضع آلية للانتقال السياسي في البلاد.
التداعيات على الأمن القومي العربي:
1-يعد التدخل العسكري التركي على شمال سوريا انتهاكا لسيادة الدولة السورية، وسيزيد الأكراد اصرارا على الانفصال عن الدولة السورية، خاصة أن للأكراد دورا كبيرا في العمليات العسكرية ضد "داعش"، مما يعني أنها تنتظر مكافأة على دورها هذا في الحصول على حكم ذاتي في التسوية السياسية المرتقبة.
2-من شأن عملية عفرين التأثير فى الأمن القومي في سوريا لأن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تقوية الجماعات الإرهابية، مما سيزيد من حدة الأزمة السورية ويدخلها في حالة "فوضى كبرى" مرة ثانية ويزيد من المطالب الانفصالية داخل الدولة.
3- من المعروف أن الأكراد سوف يستمرون في الدفاع عن عفرين، وهو ما يضر الأمن القومي العربي لأن انفصال الأكراد في شمال سوريا سوف يقوى انفصال إقليم كردستان العراق، ومن ثم سوف تكون سوريا نموذجا آخر للتقسيم في المنطقة العربية.
وأخيرا، يمكن القول إن عملية عفرين، التي تستهدف منع قيام كيان كردي مستقل على الحدود التركية، لن تكون عملية سهلة لأنه استمراريتها تتوقف على العديد من الأطراف، أولها دمشق التي ترى في القوات التركية قوات غازية، كما تمثل دمشق ورقة ضاغطة على حسابات تركيا في عفرين، سيما أن القوات النظامية السورية أحرزت تقدما سريعا في محافظة إدلب التي تقع على الحدود مع تركيا، المعقل الأكبر للمعارضة، فضلا عن وجود تعقيدات متداخلة تربك الحسابات التركية، منها أن تركيا راكمت الكثير من التوترات مع قوى إقليمية ودولية فاعلة في سوريا، منها واشنطن والاتحاد الأوروبي. كما تواجه تركيا حربا إعلامية مناهضة لدخولها عفرين، وهو ما يزيد في الوقت ذاته من الضغوط الدبلوماسية عليها. في المقابل، لا يمكن إنكار تداعيات تلك العملية على الداخل التركي، خصوصا مع تراجع الاقتصاد، ولذا يصعب على تركيا تحقيق طموحات سكان عفرين. لذلك، فإن عملية عفرين قد تحمل الكثير من المخاطر، ليس على صعيد العلاقة مع واشنطن، وإنما على الأمن القومي التركي ذاته، وعلى صورة تركيا كفاعل إقليمي في المنطقة، فضلا عن أن التدخل التركي يعد انتهاكا لسيادة سوريا، وتهديدا للأمن القومي السوري والعربي.