مما لاشك فيه أنه الآن ينام فى رقدته الأخيرة هانئ البال مرتاح الضمير، وتستطيع جثته المتحللة أن تضحك ملء شدقيها لأنه كسب الرهان الذى وضعه فى مقدمة دستور النظرية الصهيونية: "بروتوكولات حكماء صهيون"، وقال فيها: "نحن يهود العالم.. لسنا إلا مُفسديه، ومُحرِّكى الفتن فيه وجلاَّديه"!! إنه المفكر اليهودى "تيودور هرتزل".
إذن .. فقد راهن هذا الرجل الدَّاهية على غفلة العقلية العربية، وقام بزرع تلك الحركة السياسية فى وسط وشرق أوروبا فى أواخر القرن التاسع عشر، ودعا اليهود إلى العودة إلى أرض الآباء والأجداد -حسب ادعائه- واخترع لهم طريقة جهنمية للتقوقع فى "تجمعات"، دون الاندماج فى المجتمعات الأخرى «ولعلنا نذكر حارة اليهود فى مصر»، وأوعز إليهم أن هذا "التقوقع" يبتعد بهم عمَّن فى ضمائرهم من معاداة للسَّاميَّة والاضطهاد الذى وقع عليهم فى الشتات، بل وبلغ به الدهاء مبلغه حين أوحى إلى الجماعات اليهودية بأن الله لم يُرد لهم هذا الشتات فى جميع بقاع الأرض إلا لأنه أراد لهم الإمساك بتلابيب السلطة والحكم فى كل مكان يتواجدون فيه، أى أنه اتخذ من الضعف قوة، واتخذ من عبقرية تطبيق النظرية "المالية" طريقًا إلى التحكم فى مصادر المال لإيمانه أن المال هو عصب الحياة ومحركها الفاعل والقوى.
ويمضى الزمن .. ليظهر مع الوقت فلاسفة وحكماء اليهود الذين اعتنقوا فكر "تيودور هرتزل" وتطبيق تلك البروتوكولات .. ليتم انعقاد أول مؤتمر عالمى صهيونى فى مدينة "بازل" بسويسرا فى أغسطس 1897 لتطبيق النظرية الصهيونية بشكل عملى على "فلسطين" التى يعتقدون اعتقادًا راسخًا أنها أرض الميعاد، وليأت "بلفور" ليعطى "الوعد" الشهير لتكتمل أركان تلك المؤامرة الكونية التى تأتى أكلها لتحقيق هذا الوعد.. الذى قال عنه جمال عبدالناصر: لقد أعطى من لا يملك وعدًا لمن لا يستحق!!
وتكتمل أركان المؤامرة حين قامت إنجلترا بإنهاء الانتداب على فلسطين، وتسليم الأرض الفلسطينية تحت الانتداب لجحافل عصابات الصهاينة لإقامة هذا الكيان المزروع فى ظهر الأمة العربية بالتواطؤ، للأسف. وحين انتبه العرب التى تلك الطامة الكبرى كان الوقت قد فات .. لينعم الشعب اليهودى/ الصهيونى برغد العيش فى الأرض المسروقة بالدهاء .. ويعيش الآن كأجمل مما كان يحلم به مؤسس حركتهم السياسية .. ويعملون بكل مكرهم لبث الفتنة والوقيعة بين الحكام العرب وشعوبهم لضمان القطيعة والفرقة بينهم، ولتتفرغ دولة الكيان الإسرائيلى للتوسع العدوانى على الأرض العربية، والاستفادة من التكنولوجيا الغربية فى تطوير الترسانة الحربية التى تمتلكها، وما أشد القوة المسلحة مع الدهاء الذى تنشره فى ربوع العالم العربى .. لتصبح هى المتحكمة والمستفيدة من هذا الشتات العربى .. لتجلس فى مقاعد المتفرجين بكل الطمأنينة لتشاهد "المسرحية الهزلية" العربية التى توقَّـعها وكتبها منظِّرهم الصهيونى "تيودور هرتزل" وراهن عليها، لأن عبقريته لعبت على العرب فى غفلة منهم، وساعدوه على نجاحه ليكسب الرهان .. ولتمضى إسرائيل فى سياستها التوسعية تسليحًا وتوسعًا على حساب الخريطة العربية التى أشعلتها فتن هؤلاء الصهاينة.
وليس أدل على تربص الصهاينة بالعالم ككل .. ما يحدث فى كل مكان، ولا نشك فى قيامهم بتجنيد عناصر تشيع عدم الاستقرار فى أرجاء العالم .. لتتم السيطرة والتحكم لتثبيت قواعدهم المرتكزة فى فلسطين .. لتحقيق حلم إسرائيل من النيل إلى الفرات.
فهل آن الأوان أن يفيق العالم من سباته العميق؟ فما يدور حولنا هنا وهناك ما يشير –بقوة- بأصابع الاتهام إليهم. فهم يطبقون فكر "هرتزل" الشيطاني، بغية أن يجتاحوا العالم ويسوسوه وكل ما نفعله أننا نتيح لهم مقعداً وثيرا يشاهدون من فوقه تنفيذنا لمخططاتهم، وهم ينتظرون جني حصاد خلافاتنا بكل ارتياح. فلنثبت لهم يقظتنا لاغفلتنا يا قوم!