دائما وأبدا ما يتحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الجيوش الوطنية، والمطالبة بدعمها والمحافظة عليها، خاصة في الدول التي تعاني أزمات ومحاولات للهدم والإرهاب، وذلك لاستعادة الدول مرة أخرى، وإخراجها من الأزمات، وحالة الاقتتال الداخلي، خاصة فى ليبيا، وسوريا، والعراق، لأن تلك الجيوش هي الملاذ الأول والأخير لحماية الأمن القومي، والحفاظ على وحدة أراضي الدول .
وفى البداية، إذا نظرنا إلى تعريف مفهوم الجيش الوطني، فهو مجموعة من الأفراد هدفهم حماية حدود الدولة وأمنها القومى ومقدساتها، والإسهام فى التنمية الشاملة للدولة، ومواجهة الكوارث الطبيعية والبيئية، وصد أى عدوان خارجي، كما أن هؤلاء الأفراد ليس لهم توجه سياسى، أو دينى، أو إثني، وتجمعهم فقط راية الوطن.
وينطبق هذا المفهوم على بعض الجيوش العربية التى لها عقيدة قتالية، وكان أكبر دليل على توحد الجيوش العربية فى فكرها وعقيدتها خلال حرب أكتوبر المجيدة، عندما أرسلت بعض الدول عناصر من قواتها للقتال بجانب الجيش المصرى على الجبهة لمحاربة إسرائيل، واستعادة الأرض والكرامة.
لقد أيقنت القوى الغربية أنه لا يمكن اختراق الدول العربية فى ظل وجود جيوش عربية متحدة مع بعضها بعضا، أو على الأقل هناك رابط يربط فيما بينها، كما أنه لا يمكن الضمان الكامل لأمن إسرائيل فى ظل وجود تلك القوات العربية. فوضع الهدف الأول بتدمير الجيوش العربية، الواحد تلو الآخر، وبدأت الخطة تنفذ عندما أقنعت الولايات المتحدة الامريكية صدام حسين، الرئيس العراقى الأسبق، باحتلال دولة الكويت- عن طريق السفيرة الامريكية فى بغداد- فما كان من صدام إلا أن بلع الطعم، وهاجم واحتل دولة الكويت، وكانت تلك البداية فى تنفيذ المخطط، والبدء فى تدمير أول جيش عربى وطنى بالمفهوم الشامل.
فبعد معركة عاصفة الصحراء فى يناير 1991، وانسحاب القوات العراقية إلى حدودها، تم البدء فى تنفيذ حرب استنزافية على الجيش العراقى لتدمير قدراته بالكامل، واستمرت تلك الحرب 12 عاما حتى عام 2003 واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية. وجاءت الصدمة من بول بريمر، أول حاكم أمريكى للعراق بعد احتلالها، وقراره بحل الجيش الوطنى العراقى فى سابقة لم تحدث فى التاريخ أن يتم استبعاد المدافعين عن أرض الوطن وترابه وحمايته، والبدء فى تأسيس جيش جديد بعقيدة جديدة يتم تدريبه على أيدى عناصر الاحتلال، الأمر الذى هز بقوة أركان الدولة العراقية، وأفقدها السيطرة على الأوضاع المتردية، ومواجهة الجماعات الإرهابية حتى وقتنا هذا.
وعندما تأكدت الولايات المتحدة من أن المواجهات العسكرية مع الجيوش النظامية الوطنية وتدميرها تأخذ عشرات السنين، تم وضع خطة مشروع الشرق الأوسط الموسع، الذى يهدف فى المقام الأول لتدمير الجيوش الوطنية العربية عن طريق خلخلة الجبهة الداخلية للدول، وإدخال الجيوش فى صراع مع الشعب، ومن ثم البدء فى تكوين ميليشيات مسلحة لخوض حرب بالوكالة ضد الجيوش الوطنية.
وخلال ثورات الربيع العربى، سارعت بعض الدول العربية الموالية للولايات المتحدة والغرب والمشاركة فى تدمير بعض الدول إلى الضغط على جامعة الدول العربية لإصدار قرار للمطالبة بتدخل حلف الناتو بشن هجماته على الجيش الليبى وتدميره، وتسليح عناصر المعارضة. وكانت قطر الدولة العربية قد شاركت فى الطلعات الجوية الأولى لتدمير الجيش الليبي. وكانت تلك القرارات هى البداية لتشكيل ميليشيات عسكرية فى ليبيا لمواجهة الجيش الذى يسعى فى المقام الأول لحماية أرض بلاده، كما فتحت المجال لتكون ليبيا أرضا خصبة للجماعات الإرهابية التى اتخذت من ليبيا ملاذا آمنا لتنفيذ أهدافها.
وأيضا بالنسبة لسوريا، تم دعم الجماعات الإرهابية المسلحة من الخارج بالسلاح والعتاد، وإدخال عناصر إرهابية عبر حدود الدول المجاورة، حتى وصل عدد الجنسيات التى تقاتل الجيش السورى على الأراضى السورية إلى أكثر من 80 جنسية، لا يعلم أحد أسباب وجودها. إلا أنه وبعد 6 سنوات كاملة من الحرب الضروس التى يخوضها الجيش السورى، ظل متماسكا، لأنه يقاتل من أجل عقيدة، فهو جيش وطنى يدافع عن تراب وطنه.
وبالنسبة لمصر وبعد ثورة يناير، حاولت بعض القوى الداخلية، خاصة جماعة الإخوان الإرهابية، وبعض التيارات الأخرى ذات التوجهات الغربية، إدخال الجيش فى صراع مسلح مع أبناء الشعب المصري. إلا أن القيادة العسكرية وقتها كانت تعلم جيدا حجم المؤامرة على الدولة المصرية، واستطاعت أن تفوت الفرصة على تلك العناصر أكثر من مرة. وتم خلال عملية الفراغ الأمنى إدخال عناصر إرهابية إلى أرض سيناء تحت مسمى "تنظيم أنصار بيت المقدس" ليكون هذا التنظيم الشوكة فى ظهر الجيش المصري، وعدّه جيشا موازيا لعناصر الإخوان المسلمين. إلا أن الجيش المصرى بعد ثورة 30 يونيو استطاع أن يحاصر تلك العناصر فى سيناء، ويكبدهم خسائر فادحة فى المعدات والأرواح، وفى الوقت نفسه حقق الأمن للدولة المصرية دون الدخول فى صراعات أو وجود ميليشيات مسلحة داخل الدولة.
لقد حاول الغرب بمساندة دول عربية وإقليمية تدمير الجيوش العربية، من خلال دعم تنظيمات إجرامية، مثل تنظيم "داعش" الذى بدأ نشاطه فى العراق وسوريا للبدء فى خوض حرب بالوكالة ضد جيوش المنطقة، كما تم نقل عناصر منه إلى ليبيا، معتقدين أنه بتلك الجماعات يمكن أن تتحقق النتائج المطلوبة ضد الجيوش الوطنية. إلا أنه على مر التاريخ، لم يحدث أن استطاعت ميليشيات مسلحة التغلب على الجيوش الوطنية، لأننا كما ذكرنا أن الجيوش الوطنية تمتلك عقيدة واضحة لا يمكن أن تحيد عنها بدليل الدور الذى يلعبه الجيش الليبى الآن فى خوضه معارك ضارية ضد العناصر الإرهابية، ومحاولاته تطهير ليبيا، كما يفعل أيضا الجيشان السورى والعراقي.
إن تدعيم الجيوش العربية التى تقاتل الآن واجب قومى من أجل استعادة الاستقرار إلى المنطقة، وأيضا لدحر الإرهاب الذى صنعته الولايات المتحدة ومعاونوها من الدول العربية لتفكيك المنطقة.