جاء إعلان حكومة كردستان عن تجميد نتائج الاستفتاء، الذي أجري الشهر الماضي حول الانفصال عن العراق، والاستعداد للدخول في حوار مع الحكومة الاتحادية في بغداد، ليشير إلى خوف وقلق القيادات الكردية من تطور المواجهات الثنائية التي برزت أخيرا بين قوات البيشمركة والجيش العراقي، وأدت إلى خسائر في الطرفين، مما أثار المخاوف من سيناريو حرب أهلية قد تستنزف موارد البلاد، وتمزق النسيج العراقي.
ووفقا لما ذكره بيان حكومة إقليم كردستان، فإن الوضع الخطر الذي يتعرض له الإقليم والعراق بأكمله يفرض على الجميع تحمل المسئولية التاريخية، وأن القتال بين الطرفين لا يفرض انتصار أي طرف، بل يقود البلد إلى دمار شامل في جميع جوانب الحياة.
ويمكن القول إن عدم التكهن بالتداعيات التي يُخلفها الاستفتاء، وما سينتج عنه من أحداث في البلاد، يعد سببا أساسيا وراء إعلان قيادات الإقليم تجميد نتائج الاستفتاء، واللجوء إلى الحوار والنقاش لعدم تصعيد الأحداث، حيث وجدت القيادات الكردية نفسها أمام أخطار بالغة لم تعرها اهتماما، بل وضربت بعرض الحائط جميع المطالب العراقية والإقليمية والدولية بوقف الاستفتاء.
يدل ذلك على غياب الرؤية الاستراتيجية لقيادات كردستان العراق للوضع القائم، ونقص الخبرة في التعامل مع تلك الأمور، وعدم القدرة على تقدير الموقف، وعمل الحسابات اللازمة لمواجهة الأزمات المحورية، بالإضافة إلى التمسك بالرأي الأوحد لهم دون التشاور والنقاش مع الحكومة الاتحادية التي هي بالأساس الدولة الأم.
إذ إن القيادات الكردية العراق رسمت حلمها بتكوين دولة كردستان في أطراف المنطقة العربية التي تحدها شمالا تركيا، وإيران شرقا، وسوريا غربا، والعراق جنوبا، دون النظر إلى الصراعات التي ربما تحدث بين تلك الدول على مناطق النزاع الحدودية، ومصادر المياه، والنفط، والبنية التحتية، خاصة مع الجنوب العراقي، الذي يتمثل في منطقة كركوك النفطية التي وقعت بها الاشتباكات العسكرية بين الجانبين.
تكاليف الانفصال
إن السؤال المطروح هنا: هل كانت قيادات كردستان تعلم أن الاستفتاء على الانفصال محفوف بالمخاطر، وأنهم قادرون على مواجهتها، وحل الأزمات الناتجة جراء ذلك الاستفتاء؟ بالطبع لا، لأنهم لو كانوا يعلمون ذلك، لاتخذوا تدابير وإجراءات سياسية وأمنية تجاه ما سوف يحدث، خاصة إذا ما طالب أكراد إيران، وتركيا، وسوريا الانضمام إلى الدولة الحديثة، وهذا سيزيد عدد مواطني الدولة الكردية، مُطالبين بتوفير الخدمات العامة. وبالتالي، ستسعى حكومة الإقليم جاهدة لعقد صفقات واتفاقيات اقتصادية، ومالية، وتجارية مع دول أخرى.
وليس غريبا في هذا السياق أن تكون إسرائيل الدولة الوحيدة التي أعلنت تأييدها للانفصال، ودعمها الكامل لدولة كردستان الجديدة . إذ يحمل ذلك في طياته تحديات وتهديدات أخرى للمنطقة تنذر بوقوع عواقب وخيمة تفضي إلى نشوب حروب بين الأطراف الإقليمية السابق ذكرها إذا طالب أكرادها (سوريا – إيران – تركيا) بالانفصال عن دولهم الأم، واستقطاع أراض من تلك الدول .
وهذه ليست المخاطر فحسب، بل إن الخطر الأكبر الذي يهدد المنطقة ككل أن تصبح دولة كردستان الجديدة إقليما كبيرا تمتد أراضيه من شمال غرب إيران، مرورا بشمال العراق، وجنوب تركيا، وشمال سوريا ليشكل هلالا كبيرا فوق الأمة العربية، وهو ما قد يشكل أول خطوة في طريق مشروع الشرق الأوسط الكبير الخطير لتقسيم الدول العربية على أسس عرقية ودينية.
أسئلة كثيرة ربما لم ترد في تفكير قيادات الإقليم الكردستاني، ولاسيما فيما يتعلق بمدى قدرتهم على بناء دولة تنفصل عن العراق. الأكيد في هذا الأمر أنهم كانوا مغيبين تماما عن المشهد السياسي في المنطقة، وربما خضعوا لتزيين ذلك الحلم من جانب إسرائيل التي أعلنت مساندتها لهم، لكنهم في نشوة الانتصار ولذته صدموا بحقائق الواقع.
تأثيرات إقليمية
من جانب آخر، فإن زيارات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لبعض دول المنطقة، كالسعودية، ومصر، والأردن، وتركيا، وإيران أسهمت – على ما يبدو- في الضغط على كردستان لتجميد الانفصال، إذ حققت هذه الزيارات عدة أهداف، منها:
(1) جذب الدعم السياسي للدول العربية الكبرى لمصلحة وحدة العراق، وتأكيد وقوف الدول العربية بجانب الحكومة الاتحادية العراقية الرافضة لنتائج الاستفتاء.
(2) توحيد الصف العربي تجاه قضية الانفصال والانقسام، ومحاولات التدخل في شئون الدول العربية.
(3) كسب معركة دبلوماسية جديدة، كأداة ضغط على قيادات إقليم كردستان للتنازل على فكره الاستفتاء، وإلغاء نتائجه.
(4) محاولة تكوين جبهة مع تركيا وإيران اللتين تعدان من القوى الإقليمية ذات الشأن في القضية الكردية لصد محاولات الانفصال، والاتفاق على موقف ثابت ورافض تجاه الاستفتاء.
(5) تأكيد سعى الحكومة الاتحادية العراقية لحفظ وحدة واستقلال أراضي العراق، وممارسة سيادته الوطنية على كامل أراضيه.
(6) تطوير العلاقات الثنائية بين العراق وكل من تركيا وإيران في المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والتجارية.
(7) طرح رؤية العراق لمستقبل المنطقة وتوجهه الجديد في مرحلة ما بعد الانتصار على تنظيم "داعش".