بثت وسائل الإعلام المختلفة أخباراً وتحليلات عن مصالحة مرتقبة بين حركتى فتح وحماس لإنهاء الانقسام الفلسطينى برعاية مصرية، وسادت أجواء من الارتياح بين الأوساط المصرية والفلسطينية، وخرجت المظاهرات فى غزة احتفالاً بالمصالحة التى طال انتظارها لسنوات بعدّها خطوة ضرورية لإحراز تقدم على صعيد القضية الفلسطينية. وذكر بيان الرئاسة المصرية أن محادثات المصالحة التى تدعمها مصر تأتى تمهيدًا لاتفاقية سلام إسرائيلية- فلسطينية. وبالفعل، وقع وفدا حركتى فتح وحماس اتفاق المصالحة الفلسطينية رسميًا فى 12 أكتوبر الجارى بالقاهرة، بعد نحو عشر سنوات من الانقسام. وقد اتفقت الحركتان، وفقاً لبيان إعلان المصالحة، على إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطنى من ممارسة مهامها، والقيام بمسئولياتها الكاملة فى إدارة شئون غزة، كما فى الضفة الغربية، بحد أقصى الأول من ديسمبر المقبل، مع العمل على إزالة جميع المشكلات الناجمة عن الانقسام. كما يقضى الاتفاق بتمكين الحكومة الفلسطينية من إدارة المؤسسات والوزارات كافة، والإشراف على إدارة المعابر بين غزة والخارج. وما يلفت النظر هو الصمت الإسرائيلى إلى حد ما تجاه المصالحة، بل إن إسرائيل سمحت لوفود السلطة الفلسطينية، ومنهم قيادات أمنية، بالتوجه إلى قطاع غزة بحرية كاملة دون أن تعيق ذلك، حتى إنها سمحت لبعض قيادات فتح التنقل ما بين غزة والضفة عبر معبر إيريز الخاضع للسيطرة الإسرائيلية شمال قطاع غزة خلال الأعياد اليهودية.. فكيف نفهم الموقف الإسرائيلى؟ وهل ستكون إسرائيل فى مقعد المتفرج، أم ستسعى لتعويق المصالحة؟
أولاً- الموقف الإسرائيلى على المستوى الرسمى:
صدر بيان واحد فقط عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بينامين نتنياهو، مفاده أنه يتوجب على أى مصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس أن تشمل التزامًا بالاتفاقيات الدولية، وبشروط الرباعية الدولية، وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل، ونزع الأسلحة الموجودة بحوزة حماس. فمواصلة حفر الأنفاق، وإنتاج الصواريخ، وتنفيذ عمليات إرهابية ضد إسرائيل، كل ذلك يخالف شروط الرباعية الدولية، والجهود الأمريكية الرامية إلى استئناف العملية السلمية . وقد طالبت إسرائيل أيضاً بالإفراج الفورى عن جثتى جندييها أورون شاؤول، وهدار غولدين، والمواطنيْن أفيرا منغيستو، وهشام السيد المحتجزين لدى حماس.
يتضح من البيان تغير اللهجة الإسرائيلية، فلم يتضمن العبارات السابقة المعتادة عند الإعلان عن تفاهمات للمصالحة، مثلما حدث فى اتفاق الشاطئ عام 2014، عندما تم تجميد الاتصالات السياسية مع السلطة، وفرض عقوبات اقتصادية، من بينها حجز أموال الضرائب. وقد يفسر الموقف الإسرائيلى الرسمى فى ضوء عدم يقين إسرائيل من إتمام نجاح المصالحة، أو لأن المصالحة تحظى بدعم دولى وأمريكى. فقد صرح المبعوث الأمريكى الخاص، جيسون غرينبلات، خلال زيارة إسرائيل فى 30 أغسطس الماضى، بأن "على السلطة الفلسطينية أن تأخذ السيطرة على القطاع من أيدى حماس"، مما يصعب معه قيام إسرائيل بانتقادها علناً.
ثانياً- الحسابات الإسرائيلية للمصالحة الفلسطينية:
الجوانب الإيجابية المحتملة لإسرائيل
تشير بعض التحليلات إلى أن اتفاق المصالحة ربما يحمل نتائج مرغوبا فيها من جانب إسرائيل، أولاها أن الاتفاق لا يلغى التزامات السلطة تجاه إسرائيل والمجتمع الدولى، وتلك الالتزامات تقرها منظمة التحرير الفلسطينية. وقد نص اتفاق المصالحة على تمكين حكومة الوفاق، برئاسة رامي الحمدالله، من مهامها فى غزة، وهى حكومة برنامجها قريب من برنامج الرئيس أبومازن إلى حد كبير. ثانيتها إمكانية أن تستغل إسرائيل المصالحة من أجل مواصلة تجميد العملية السياسية بادعاء أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس يتحالف مع حركة حماس، التى تعدّها إسرائيل، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي حركة "إرهابية". ثالثتها أن اتفاق المصالحة سيعمل على ضبط سلوك حماس تجاه إسرائيل، وسيضمن لها التهدئة لفترة طويلة فى قطاع غزة، مما يساعد إسرائيل على التفرغ لمواجهة حزب الله، وتزايد النفوذ الإيرانى فى سوريا.
الجوانب السلبية المحتملة لإسرائيل
فى المقابل، تشير تقديرات أخرى إلى أن الاتفاق يلقى بظلال سلبية على إسرائيل، منها أنه يفوت الفرصة على تل أبيب ادعاء أن الرئيس محمود عباس لم يعد الممثل الوحيد للشعب الفلسطينى، وبالتالى إرغام إسرائيل على استئناف العملية السياسية . كما تتخوف إسرائيل من أن تحقق المصالحة شرعية سياسية لحماس على المستويين الإقليمى والدولى، وأن تفقد إسرائيل قدرتها على توجيه ضربات لأهداف عسكرية حيوية لحركة حماس ردًا على أى عملية تدعى أنها تمت من قطاع غزة.
على ماذا تراهن إسرائيل؟
ترى إسرائيل أن الأشهر القادمة هى الاختبار الحقيقى لإمكانية تنفيذ بنود المصالحة، وتعطى أهمية كبيرة لدور المجتمع الدولى والولايات المتحدة، ومدى تقديم المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية. ويُتوقع أن ترغب إسرائيل فى انهيار الاتفاق، كما حدث فى اتفاقيات سابقة، جرى توقيعها، وسرعان ما انهارت فى ظل إصرار حماس على الاحتفاظ بسلاحها في غزة، واستئثارها بخرائط الأنفاق، علاوة على العبء الكبير الذى يشكله قطاع غزة على موازنة السلطة الفلسطينية. فالمصالحة، وعودة حكومة الحمد الله للقطاع تعنيان المسئولية الكاملة عن القطاع، ودفع الرواتب، وحل مشكلة الكهرباء، والأوضاع المعيشية. وتتشكك إسرائيل فى قدرة السلطة الفلسطينية على تحمل تلك الأعباء. وقد ذكر نتنياهو أخيرا صراحة على حسابه بتطبيق "تويتر" أننا "لا نريد أكثر من السلام مع جيراننا، ولكن المصالحة تجعل السلام أكثر صعوبة فى تحقيقه". وقد عبرت شخصيات سياسية عديدة داخل إسرائيل عن غضبها من اتفاق المصالحة، مثل نفتالي بينيت، وزير التعليم، ورئيس حزب البيت اليهودى، الذى صرح على حسابه فى وسائل التواصل الاجتماعى بأن " الحكومة الناجمة عن هذه المصالحة ستكون حكومة وحدة الإرهاب". وفى كل الأحوال، ستتابع إسرائيل التطورات على الأرض، وتتصرف بناء على ذلك.