نعيش هذه الأيام ذكرى الانتصار العظيم، الذي حققه الجيش المصرى فى معركة العزة والكرامة لاسترداد الأرض فى حرب أكتوبر المجيدة, تلك المعركة التي أكدت للعالم أن مصر لديها درع وسيف يحميها من بطش أى غادر أو محتل، تسول له نفسه أن يعتدي على حبة رمل من ترابها.
ففى يوم السادس من أكتوبر، أعطت قواتنا المسلحة درسا نموذجيا يُحتذى به فى فنون الحرب، والقتال، وإدارة المعارك، من خلال التكتيك القتالي، والتخطيط الاستراتيجي، والقيادة الرشيدة، التي كبدت العدو خسائر فادحة أدت إلى انهياره معنويا وعسكريا، وحطمت النظريات العسكرية. بل إن حلفاء إسرائيل أصيبوا بصدمة، جراء الحرب الشاملة التي نفذتها القوات المسلحة المصرية.
لقد مر 44 عاما على النصر العظيم الذي نتباهى به أمام الأمم، حيث أظهرت حرب أكتوبر المجيدة مدى أهمية تماسك الدول العربية فى مواجهة إسرائيل وحلفائها، إذ قدمت الدول العربية الدعم العسكري لمصر. ولن ننسى الدور القوي لدول الخليج العربي من قطع البترول عن الدول المساندة لإسرائيل فى الحرب، والذي عبرت عنه بكل قوة كلمات الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "ليس البترول العربى أغلى من الدم العربي"، حيث كان سلاح البترول بمنزلة القشة التى قسمت ظهر الدول المساندة لإسرائيل فى حربها ضد مصر، وأثبت مدى فاعلية التكتل العربي، وقوة تماسكه فى ذلك الوقت.
دفع ذلك الأمر الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع حلفائها الغربيين، إلى ضرب هذا التكتل بعد حرب أكتوبر المجيدة، لأنها أدركت خطورة اتحاد العرب، وأنه لن تكون هناك دولة إسرائيلية فى منطقة الشرق الأوسط، إذا ما استمر هذا الاتحاد، فتم وضع خطط طويلة الأمد من أجل التغلغل الأمريكى فى المنطقة، ووضع قواعد عسكرية تمنع دول الخليج من قطع البترول عنها. لقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ المرحلة الأولى من هذا المخطط من خلال الثورة الإيرانية، التي مثلت بداية سعي إيران إلى السيطرة على الخليج العربي من خلال المد الشيعي، ثم إقحام العراق فى حرب طويلة معها، استنزفت فيها القوات العراقية، نظراً لإنفاق مليارات الدولارات على تلك الحرب. وما إن انتهت هذه الحرب، فى عام 1988، حتى تم إيقاع العراق فى شرك دولة الكويت، بعد أن دفعت السفيرة الأمريكية صدام حسين لاحتلال الكويت، وكانت تلك هى البداية لتضع الولايات المتحدة قدمها فى الشرق الأوسط لتبدأ المرحلة الرئيسية من المخطط.
أما المرحلة الثانية من المخطط، فقد تمثلت فى السعي إلى القضاء على القدرات العسكرية العربية. وكانت تلك الخطوة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، عندما أعلن جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب، وحدد ثلاث دول بأنها محور الشر فى المنطقة، وهي إيران، والعراق، وسوريا. ولم يكن حديث جورج بوش من فراغ، فالعراق وسوريا قوتان عربيتان لا يستهان بهما، لذا تم احتلال العراق فى عام 2003، وحُل الجيش العراقى فى سابقة لم تحدث من قبل فى التاريخ.
ورغم ذلك، أيقنت الولايات المتحدة أنها لن يمكنها خوض حروب جديدة فى الشرق الأوسط، لذا تم وضع الخطة البديلة، وهى مشروع الشرق الأوسط الجديد، لتدمر الدول من الداخل عن طريق الحروب الأهلية، والصراعات الطائفية، وأعطيت إشارة البدء للتنفيذ فى عام 2010 بالثورة فى تونس، وامتدت لتشمل أغلب دول المنطقة. وبالفعل، تم تدمير القدرة العسكرية الليبية، وإنهاك الجيش السوري فى حرب طويلة ضد جماعات الإرهاب التى تم زرعها، وأيضا تدمير اليمن وقدرته العسكرية، وإدخال المنطقة فى صراعات مسلحة تعمل على تفتيتها، وذلك من أجل السيطرة على ثرواتها، وضمان أمن إسرائيل.
إلا أن الجيش المصرى العظيم استطاع أن يستوعب كل ما يحدث فى الإقليم، حيث كان يدرك جيداً حقيقة المخططات الغربية التي تسعى إلى تدمير المنطقة، فكان حائطا منيعا أمام تلك المخططات الغربية، ليظل حاميا للدولة المصرية، مقدماً نموذجاً رائعاً للحفاظ على الأمن القومى المصرى والعربى.
إن حرب أكتوبر المجيدة يجب أن تكون مثالا يحتذى من قبل الدول العربية التى أصبحت فى حالة يرثى لها فى الوقت الحالي، لذا يجب أن تتحد الدول العربية مرة أخرى، وأن تكون هناك قوة عربية مشتركة، على غرار حلف شمال الأطلنطى، من أجل ردع أي عدوان ضد أى دولة عربية. كما يجب أن يعي القادة العرب الموالون للغرب على حساب عروبتهم أن الخطر لن يقف عند حدودهم، بل ستطولهم نيرانه، عندما ينتهي دورهم، وهذا ما تعلمناه جيدا خلال المراحل الماضية.