مقالات رأى

قطر وإعادة انتشار الإرهاب

قطر وإعادة انتشار الإرهاب
طباعة
كل يوم يمر على المقاطعة العربية لدولة قطر تقل فعالية الجماعات الإرهابية في كل من العراق وسوريا، بل يحدث تقدم كبير للقوات العراقية والسورية على الأرض، وانحسار الدور الإرهابي بشكل كبير، وذلك بعد توقف الدعم المالي المقدم من النظام القطري إلى تلك الجماعات، خاصة تنظيم داعش في العراق وسوريا، إلى جانب التنظيمات الأخرى التي مولتها ودعمتها الدولة القطرية. 
قد يتخيل البعض أن ما يحدث الآن من انسحاب تكتيكي لتلك الجماعات الإرهابية إنه يمثل النهاية بالنسبة لهم، بل العكس، فإن تلك التنظيمات تسعى إلى إعادة الانتشار والهروب إلى أماكن ودول أخرى لإعادة تنظيم صفوفها مرة أخرى، ثم إعادة إحياء تنظيماتهم مرة أخرى حال وجود تمويل جديد، أو العمل على إيجاد موارد جديدة من عمليات قرصنة، أو السيطرة على مواقع بترولية، حتى يتم التسليح والتدريب مرة أخرى.
بداية، يجب أن نعلم أن الجماعات الإرهابية على اتصال ببعضها بعضا مهما تبعد المسافات، بل والقارات أيضا. فهناك فروع لتنظيم القاعدة، فى العديد من الدول والمناطق، وصلت إلى دول إفريقية، وكذلك بالنسبة لداعش بما له من فروع فى العديد من الدول.
من المعروف أيضا إن من يقاتل ضمن التنظيمات الإرهابية المختلفة فى سوريا والعراق، يحملون جنسيات مختلفة تصل لأكثر من 80 دولة حول العالم، وهؤلاء من اليسير عودتهم مرة أخرى إلى بلادهم فى ظل الإجراءات الأمنية المشددة، التى تتخذها أغلب الدول، لذا لن يخاطروا بالعودة مرة أخرى، خشية إلقاء القبض عليهم، والتحقيق معهم، ومن أجل ذلك، سيبحثون عن ملاذ آخر آمن ينتقلون إليه لتكون فترة هدنة، للبدء فى تنفيذ مخطط جديد يكلفون به من قبل مؤسسى هذه التنظيمات.
الواقع أن عمليات التراجع التكتيكي التي تنفذها التنظيمات الإرهابية خلال الفترة الأخيرة أمام هجمات الجيش العراقي والسوري، ليس دليلا على هزيمة ساحقة لتلك التنظيمات، ولكنه يمثل انسحابا للهروب من تلك المنطقة التى أصبحت أكثر صعوبة من جهة إدارتها لهذه العمليات. لذا جاءت عمليات الانسحاب المحسوبة من أجل الحفاظ على القوة، وأيضا البدء فى التفاوض للانتقال إلى أرض أخرى في دولة أخرى.
وعمليات الهروب هى التى ستكون صعبة بالنسبة للجماعات الإرهابية، لأنها ستكون عبر الحدود البرية أو البحار للانتقال إلى أماكن أخرى، وأعتقد أنه من الممكن أن تبدأ تلك العناصر الإجرامية فى الانتقال بأى صورة كانت إلى منطقة القرن الإفريقي، خاصة إلى الصومال، حيث إن تلك الدولة، على الرغم من محاولات التهدئة فيها، فإنها لا تزال أرضا خصبة للإرهاب.
ومن الصومال قد يتغلغل هؤلاء إلى القارة الإفريقية، للتحالف مع جماعات أخرى هناك مثل القاعدة، وبوكو حرام، وغيرهما، أو قد تصل تلك الجماعات إلى ليبيا، لاستغلال حالة الفوضى هناك، فضلا عن تهديد الدول الحدودية لها.
بالطبع، فإنه من الصعوبة بمكان لتلك الجماعات الوصول إلى سيناء للتعاون مع التنظيمات الموجودة بها، نظرا لإحكام الجيش المصرى قبضته على جميع المنافذ البرية والبحرية، التي تؤكد استحالة التسلل إلى تلك المنطقة الغالية من تراب مصر.
الشاهد أن الخطر فى تحرك تلك العناصر الإرهابية من أماكنها وإعادة انتشارها، سيؤثر بشكل رئيسى فى الأمن القومى المصري، خاصة إذا وصلت إلى منطقة القرن الإفريقي. فهى بالطبع ستهدد عمليات الملاحة فى البحر الأحمر وقناة السويس، بالإضافة إلى حدوث عمليات قرصنة تمارس على السفن التجارية.
كما أن وصولها إلى دول إفريقية أخرى قد يهدد دول حوض النيل، ويسبب العديد من الأزمات، وهذا ما يتطلب دراسة أبعاد انتقال التنظيمات من مناطقها إلى مناطق محتملة.
من الواضح الآن أن التنظيمات الإرهابية لن تبقى فى أماكنها، وستعيد انتشارها فى العديد من الدول التى ربما تم التنسيق مسبقا لتكون الخطة البديلة. ولكن على الجانب الآخر، يجب أن تكون هناك متابعة حقيقية لتلك العناصر، والتأكد من القضاء عليها تماما حتى لا تستطيع الهروب، لأنها ستعيد إنتاج نفسها بشكل أو بآخر فى مناطق أخرى تقوم بإشعالها من جديد، وتهديد أمنها واستقرارها.
ولا يمكن أن ننسى ما فعله تنظيم القاعدة من قبل، وتكوينه لفروع جديدة له فى أماكن عديدة من العالم، فمن الطبيعى الآن أن يتم تتبع جميع العناصر، حتى إذا وصلوا إلى بعض الدول يجب التنسيق معها للقضاء عليها، لعدم إعطائها الفرصة لأن تترعرع وتنشط فيها.
إن روسيا عندما اشتركت فى الحرب ضد داعش فى سوريا كان هدفها الأول والأخير هو القضاء على من يحملون الجنسية الروسية، أو الجنسيات الأخرى عن طريق تقنية حديثة تستطيع أن تحدد وجود تلك الجنسيات بواسطة الصوت، من خلال محادثاتهم الهاتفية، أو اللاسلكية،  وتحديد الإحداثيات، ليتم ضربهم. 
وتمكنت روسيا من خلال ذلك القضاء على الآلاف منهم، ومطاردة الباقين، فهى لا ترغب فى إبقاء أى شخص فيهم حيا لأنه فى المستقبل سيشكل تهديدا لها، بالتالي على جميع الدول الأخرى أن تحذو حذو روسيا حتى يتم تقويض تلك الجماعات بالكامل.
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    جميل عفيفي

    جميل عفيفي

    مدير تحرير جريدة الأهرام