مقالات رأى

استهداف الجيش المصري

.
طباعة
تابعت الأسبوع الماضي جلسة الاستماع داخل الكونجرس الأمريكي حول تخفيض المعونة الاقتصادية لمصر. واستخلصت من تلك الجلسة أن ما يقال من تفسيرات وتحليلات مغلوطة عن الوضع في مصر، الهدف الأساسي منه الجيش المصري. فلم تتخيل الإدارة الأمريكية أن يخرج الجيش المصري من العباءة الأمريكية، تسليحا وتدريبا، لذا فالهجوم كله كان منصبا على الجيش فقط.
 
لقد حاول أعضاء الكونجرس، خلال تلك الجلسة، أن يظهروا أن الجيش المصري هو المتحكم الآن في الاقتصاد، متناسين وضع الدولة بعد ثورة يناير،  و30 يونيو، وانهيار العديد من مؤسساتها، وأن الجيش استطاع أن يسهم بشكل كبير في تحسين الاقتصاد، وإعادة بناء الدولة مرة أخرى، والإسهام في التنمية الشاملة للدولة، ومحاولات تخفيف العبء عن المواطن، من خلال جهاز الخدمة الوطنية.
 
ونسيت أو تناست تلك الأحاديث أن إسهام  الجيش في التنمية بدأ بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتوجيه الفائض من ميزانية القوات المسلحة في مشروعات تخدم الدولة والمواطن، لما تمتلكة القوات المسلحة من انضباط، والتزام، ودقة ليست متوافرة في العديد من مؤسسات الدولة. بل إن القوات المسلحة أسهمت بشكل كبير في الحفاظ على الاستقرار من الناحية الاقتصادية، بعد ثورة يناير، بعد أن ضخت المليارات في ميزانية الدولة، وتوفير السلع الأساسية في ظل غياب مؤسسات الدولة المعنية.
 
إن ما يفعله الجيش المصري بالإسهام في تنمية الاقتصاد المصري هو جزء من مهامه في حماية الأمن القومي المصري، والأمن الاقتصادي هو محور رئيسي للأمن القومي. والتشكيك الواضح في العمليات العسكرية للجيش في سيناء، في جلسة خصصت للحديث عن المعونة الاقتصادية، يطرح تساؤلا مهما، هو: لماذا الحديث عن العمليات العسكرية في سيناء؟.
 
 المعروف أن الجماعات الإرهابية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط ومصر هي صنيعة أمريكية، وبرعاية قطرية وتركية، وما يحققة الجيش من إنجازات لا يرضي طموح الأمريكيين في الوقت الحالي، لذا يجب عليهم تزييف الحقائق حول تلك العمليات، وهو ما يؤكد بالفعل ضلوع الإدارة الأمريكية السابقة، ومن يساندونها في الكونجرس حاليا، في تمويل وتدعيم الارهاب في سيناء، وهم الراعي الرسمي له.
 
الغريب أيضا أنهم تحدثوا عن التسليح المصري، وانتقدوا امتلاك مصر لأنواع جديدة من السلاح، مثل حاملات الطائرات، والغواصات، والمدمرات، وأنظمة الصواريخ الحديثة. بالطبع، تزايد حجم هذا النقد، لأن مصر رفضت أن تكون تابعا للولايات المتحدة، وأن يقتصر تسليحها على السلاح الأمريكي فقط، وتكون أمريكا هي المانح والمانع، وتفرض وصايتها على الجيش المصري. ونسي هؤلاء أن مصر تعد في دائرة الخطر، وأنها مستهدفة من حدودها الاستراتيجية المختلفة، وأنه يجب عليها أن تحافظ على أمنها القومي، وأن يكون هناك توازن بينها وبين إسرائيل في التسليح، كل ذلك كان غائبا عن تلك المجموعة .
 
لماذا الجيش المصري مستهدف من كل ذلك؟ لأنه الجيش النظامي الوطني الوحيد الباقي في منطقة الشرق الأوسط، والقادر على حماية الأمن القومي العربي، بعد أن تم نجاح المخطط الأمريكي في تدمير الجيش العراقي، وإقحام الجيش العربي السوري في صراع مسلح مع الجماعات الإرهابية، وتم استنزاف العديد من قدراته، وإبعاده عن أي تصنيف. كما أن الجيش المصري استطاع أن يفشل مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي كان يسعى إلى تقسيم المنطقة، والذي استخدمت فيه جماعة الإخوان المسلمين لذلك في الشرق الأوسط.
 
لقد سعت الإدارة الأمريكية السابقة، إبان حكم جماعة الإخوان الإرهابية لمصر، إلى تغيير العقيدة العسكرية للجيش المصري، بالاتفاق مع محمد مرسي، ومكتب الإرشاد، على أن تكون عقيدته الجديدة هي مكافحة الارهاب، وتم تخصيص 500 مليون دولار من المعونة العسكرية وقتها لذلك. وبالطبع، فهذا الأمر خطير، لأنه كان سيغير أسلوبه في التدريب والتسليح، وهو بالطبع ما فشلت فيه الجماعة الإرهابية .
 
بعد 30 يونيو، حاولت الولايات المتحدة فرض نفوذها على الجيش المصري بتجميد المنحة العسكرية البالغ قيمتها مليارا و 300 مليون دولار، بل إنها رفضت تسليم مصر صفقة طائرات (إف 16) كانت مصر قد تعاقدت عليها سابقا، وطائرات أباتشي مصرية، كان تنفذ لها أعمال الصيانة. فما كان من القيادة المصرية، وقتها، إلا أن تتجه صوب فرنسا، وتتعاقد على 24 طائرة رافال، وحاملتى طائرات، ومدمرة، بالإضافة إلى أحدث الصورايخ الروسية، ولنشات الصواريخ. وهنا، بدلا من أن تضغط الولايات المتحدة على مصر، حدث العكس، وطلبت الإدارة الأمريكية تسليم مصر الطائرات، ورفعت الحظر عن المعونة العسكرية.
 
الواضح مما سبق أن الجيش المصري هو المستهدف من كل ما يحدث، فهناك محاولات مستميتة من بقايا النظام الأمريكي السابق لتكوين رأي عام داخل دوائر صنع القرار الامريكي ضد الجيش المصري، لأنه يقف أمام الأطماع الغربية، والأهداف التي وضعت لإعادة هيكلة وتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة تحوم في فلك الولايات المتحدة، وتستطيع في النهاية أن تكون هي المتحكمة في الثروات، وتحت حمايتها.
إن الجيش المصري هو الجيش الوطني الوحيد صاحب العقيدة التي لا يمكن أن تهتز للحظة، وهدفه الأساسي هو حماية الأمن القومي المصري في جميع المجالات. بل إنه الآن أضيفت إليه أعباء جديدة، هي حماية الأمن القومي العربي، والمحافظة على وحدة الدول العربية. لذا، فإن الهجوم عليه كاسح من الولايات المتحدة وأنصارها.
 
 إن تخفيض المعونة الاقتصادية، فى جلسة الكونجرس، هو ستار للهجوم على الجيش المصري بهذا الشكل الذي تابعته، اعتقادا أنه يمكن بذلك التأثير بأي شكل من الأشكال فى وحدته، وتماسكه، أو تراجعه خطوة للخلف، وهو الأمر الذي لن يحدث مطلقا. 
 
طباعة

تعريف الكاتب

جميل عفيفي

جميل عفيفي

مدير تحرير جريدة الأهرام