تحليلات - مصر

جولة الرئيس الإفريقية بين النتائج المباشرة والآفاق المأمولة

  • أماني الطويل

  • 17-8-2017

السيسي
طباعة
تنتهي جولة الرئيس عبد الفتاح السيسي الإفريقية الخميس 17 أغسطس 2017، بعد أن زار أربع دول إفريقية (تنزانيا، ورواندا ، والجابون، وتشاد) لتفتح آفاقا جديدة للعلاقات المصرية- الإفريقية، مشروطة بالآليات اللازم تطويرها لتصل إلى نتائج إيجابية، وتسهم في زيادة وزن مصر الإقليمي. 
 
في مجال النتائج المباشرة، أعتقد أن الدبلوماسية الرئاسية قد طورت أدواتها في هذه الزيارة لإقليمي شرق إفريقيا وحوض النيل. فبدلا من اعتماد مصري علي البوابة الأوغندية، لتمرير المقاربات المصرية، خصوصا في ملفي مياه نهر النيل وسد النهضة، لجأت القاهرة إلى فتح قنوات اتصال مباشرة مع أوزان
إقليمية مماثلة لأوغندا، حيث تحتل تنزانيا موقعا متقدما في شرق إفريقيا بالنظر إلى أدوارها السياسية في الأزمات الإقليمية، مثل جنوب السودان وبوروندي.
 
 فغالبا ما تحتضن مدينة أروشا عادة فعاليات المفاوضات السياسية، والتفاهمات الدولية بشأن الإقليم. وفيما يتعلق برواندا، فزعيمها بول كاجامي يحظي بوزن كبير، نظرا لدوره في القفز على مرحلة الحرب الدموية بين التوتسي والهوتو في منتصف التسعينيات، فضلا عن تحقيقه نموا اقتصاديا معتمدا على مساعدات دولية مباشرة من جهة، وتوسع القطاع الزراعي من جهة أخرى.
 
وفي المحطتين التنزانية والرواندية، تم طرح أزمة عنتيبي الماثلة، ومستقبل التعاون بين دول حوض النيل، ومجريات سد النهضة، خصوصا مع التعنت الإثيوبي في التفاهم حول قواعد الملء والتخزين للسد من المياه، أو مدى الاعتداد بنتائج مكاتب الدراسات المرتقب إعلانها في الفترة القادمة . 
 
أما المحطة التشادية، فتعود أهميتها إلى طبيعة التعاون الأمني بين القاهرة وأنجامينا، وهو التعاون المعني بشكل رئيسي بالأوضاع في ليبيا وغرب السودان من جهة، وباقي إقليم الساحل والصحراء من جهة أخرى، حيث يبدو المشهد في هذه المنطقة مخيفا، نظرا لانتشار الجريمة المنظمة التي هي الممول الأول للتنظيمات الإرهابية المنتشرة، من تنظيم الدولة في ليبيا، إلى التوحيد والجهاد في مالي، مرورا ببوكو حرام في نيجيريا، فضلا عن عشرات الميليشيات الصغيرة التي تعتمد على فقه السلفية الجهادية.
 
 ولعل إحباط القوات المسلحة المصرية للمحاولات المتتالية لاختراق الحدود المصرية من جانب عربات الدفع الرباعي المسلحة يشير لحجم التهديدات الماثلة.
 
وفيما يخص المحطة الجابونية، فإن هناك تقديرا من جانب الرئيس على بونجو لمصر، مؤسسا على الإسناد المصري له في معركته الانتخابية، حيث حاولت فرنسا التشكيك في نزاهة هذه الانتخابات على خلفية استدعاء ليبرافيل (عاصمة الجابون) للصين للاستثمار في مجال البترول. 
 
وقد حاولت فرنسا توظيف تحفظاتها إفريقيا بالدعوة لعدم الاعتراف بشرعية الرئيس علي بونجو، ولكن مصر لم تستجب لهذا الموقف. وربما تكون أهم نتائج زيارة الرئيس للجابون هي استكشاف إمكانية تصدير الأخشاب الجابونية إلى مصر، ودعم التبادل التجاري بين البلدين، فضلا عن إمكانية الاستثمار في المجال السياحي في الجابون من جانب القطاع الخاص المصري.
 
تطوير الأدوات
 
يمكن القول إنه دون تطوير الأدوات المصرية للتفاعل مع إفريقيا، ستكون الآفاق المرجوة لهذه الزيارة شبه مغلقة. ومن هنا، فإننا نركز هنا على عدد من الاقتراحات، وهي كالآتى: 
 
أولا:  تدشين أسطول تجاري في البحر الأحمر يسمح بدعم التبادل السلعي بين مصر وشرق إفريقيا دون المرور من البوابة السودانية التي تستخدم مرور السلع عبر أراضيها ورقة ابتزاز يتم استعمالها للضغط على مصر. 
 
ثانيا: المضي قدما في تكوين قوات تدخل سريع لمكافحة الإرهاب بتعاون متعدد الأطراف بين مصر وهذه الدول، وتقوم مصر فيه بفتح قنوات اتصال مع فرنسا بهذا الشأن، حيث قامت الأخيرة بخطوة استباقية في هذا المجال، ولكن  التفويض الدولي لفرنسا في هذا المجال قد جاء جزئيا، برغم محاولات باريس في مجلس الأمن أن تكون مطلقة اليد لمحاربة الإرهاب في إفريقيا.
 
ثالثا: الاهتمام بتفعيل مشروع الحزام والطريق الصيني في دعم العلاقات المصرية- الإفريقية، خصوصا أن حجم التمويل لهذا المشروع ١٠٠ مليار دولار.
 
رابعا : محاولة الاستفادة من حجم الدعم الدولي لخطة الاتحاد الإفريقي للتنمية المستدامة2063 ، وتدشين لجنة حكومية بهذا الشأن.
 
خامسا: دمج ميزانيات العلاقات الخارجية للوزارات لتكون تحت مظلة الوكالة الدولية للشراكة مع إفريقيا لدعم ميزانياتها الهزيلة.
 
سادسا: التحول نحو إقامة شراكات استثمارية مباشرة مع القطاع الخاص بتمويل من البنوك الرسمية المصرية. 
 
سابعا: اتخاذ خطوات جادة لاستيراد اللحوم من دول حوض النيل بديلا عن الهند والبرازيل، والوقوف في وجه تحالف رجال الأعمال المناوئ لذلك، وتوجيه استثمارات للرعاية البيطرية، والمجازر الآلية .
 
ثامنا: إتاحة قاعدة بيانات مناسبة عن الفرص الاستثمارية في إفريقيا للشركات المصرية المتوسطة والصغيرة، مع التنويه بوجود بنك لضمان الاستثمارات في إفريقيا، مقره القاهرة .
 
تاسعا: الاهتمام بالتوسع في مجالات الاستثمار الزراعي بإفريقيا، حيث تستطيع مصر الإفادة من التمويلات الدولية لهذا القطاع من ناحية، واستزراع محاصيل كثيفة الاستخدام للمياه من ناحية أخرى.
إجمالا، فإن عدم امتلاك الآليات والأدوات المناسبة في هذه المرحلة للتفاعل مع إفريقيا يحوّل إفريقيا من فرصة للنمو الاقتصادي، ودعم وزن مصر الإقليمي على المستوى الاستراتيجي إلى مصدر واسع لتهديد مصر في مجالي الأمن المائي، وسلامة الحدود، ويجعل المجهود الرئاسي الكبير في إفريقيا مجرد قبض ريح.  
 
طباعة