مقالات رأى

ويسألونك عن «الدعم»!

طباعة
فيما كانت تلتهم ماكينات «المطابع الأميرية» العدد 25 (مكررًا) من الجريدة الرسمية، يوم الأربعاء الماضي؛ بدت الصورة «مختلفة» إلى حدٍّ بعيد، داخل أروقة مجلس الوزراء.. كان العدد «المُهم» من الجريدة يحمل توقيع رئيس الوزراء (المهندس شريف إسماعيل) على قرار تحريك أسعار الوقود، والعمل به ابتداءً من الساعة الثامنة من صباح الخميس (29 يونيو).. إلا أن وزير البترول والثروة المعدنية (المهندس طارق الملا)؛ أخرج المشهد بشكل مختلف.. إذ نفى بين جمع غفير من الصحفيين، ومندوبى وكالات الأنباء أن هناك موعدًا مُحددًا (حتى الآن)؛ لتحريك أسعار الوقود (!).. وأن برنامج رفع الدعم عن الطاقة، الذى تم إقراره من قبل الحكومة، وأقره مجلس النواب (مدته خمس سنوات).
كلام الوزير هنا يحتاج إلى «وقفة».. ففى حقيقته؛ يضر أكثر مما ينفع.. يصنع تشككًا (لا مبرر له) فى التصريحات الرسمية.. يصمها بالتلاعب والازدواجية.. قطعًا.. الوضع الاقتصادى يحتاج إلى إصلاح حقيقى.. الدولة (بمؤسساتها المختلفة) امتلكت - فى أكثر من مناسبة - شجاعة الاعتراف بهذا الوضع.. لم تحجبه عن أعين الناظرين.
 
الشعب المصرى «نفسه» تفهَّم خلال المرتين السابقتين، اللتين تم خلالهما تحريك أسعار الوقود، جرأة (وضرورية) تلك الخطوة.. كان وعى، وإدراك الشعب لخطورة الموقف الذى تمر به مصر، هو سيد الموقف.
تفهَّم «الشعب» كذلك، جدوى القرارات الاقتصادية الخاصة بتحرير سعر الصرف.. وأن هذا الأمر يستهدف دعم «الاستثمار» عبر بث الثقة فى نفوس المستثمرين.. إلى خفض عجز الموازنة العامة، والميزان التجارى، وميزان المدفوعات.
تحمَّل الشعب (بشجاعة) نتائج تلك الإجراءات؛ للحفاظ على كيان دولة «راسخة»، وعريقة (عراقة التاريخ).. وأدرك أنّ التنمية الشاملة والمستدامة، تتطلب - أولاً - حل المشكلات المتراكمة منذ عشرات السنين.. ومن ثمَّ.. كان على الجهة التنفيذية (الحكومة) أن تواجه قراراتها الجديدة بـ«الشجاعة» نفسها.
 
فى كلام «وزير البترول» نفسه؛ كان ثمة تفاصيل مهمة، لم يلتفت إليها الكثيرون.. قال إنّ مجلس المحافظين سيناقش الثلاثاء المقبل «خطة الدولة»؛ لتوصيل الغاز الطبيعى للمنازل على مستوى المحافظات بـ«إجمالى» 700 ألف وحدة سكنية.. إلى جانب مناقشة المعوقات، التى تواجه «المشروع القومى» لتوصيل الغاز الطبيعى.. وإنّ «وزارة المالية» أصدرت الضمانة المالية لـ«وزارة البترول» بشأن قرض تمويل التوسعات فى معمل تكرير بأسيوط، و(ميدور) بالإسكندرية بنحو 3.6 مليار دولار؛ لتوفير 3.5 مليون طن سولار، ومليون طن بنزين على مدار السنوات الثلاث المقبلة.
الكلام مهم فعلاً.. إذ إنّ ترجمته (عمليًا)، هى تقليل الاستيراد من الخارج، فى مقابل زيادة المنتجات المحلية.. لكن.. عندما صدر قرار «تحريك الأسعار» فى صبيحة اليوم التالي؛ لم يُلتفت إلى بقية تلك التفاصيل.. شُغل الناس بنفى الوزير (!).. ووجد فيه نفرٌ من المتربصين بالقرار فرصة لوصم الحكومة بالكذب (!)
 
كان أولى بالحكومة (بدلاً من الإفراط فى تصريحات من تلك النوعية) أن تتحدث بالحقائق والأرقام عن «منظومة الدعم» (غير العادلة)، وكيف أن الإجراءات الحالية (رغم صعوبتها) تُعيد بشكل تدريجى الأمور إلى نصابها.. كان عليها أن توضح (من جديد) أنّ منظومة «دعم الطاقة فى مصر» بوضعها الحالى، يستحوذ فيها أغنى 40 % من السكان (وحدهم) على نحو 60 % من إجمالى دعم الطاقة(!).. وأنّ أفقر 40 % من السكان لا يحصلون سوى على 25 % فقط، من تلك المنظومة.. وأنّ تلك الفجوة تزداد فى «المدن»؛ حيث يتحصل أغنى 40 % من السكان على 75 % من دعم الطاقة، وأكثر من 90 % من البنزين المدعم.
 
الشجاعة هنا مطلوبة.. إظهار صلابة الأسس التى بُنى عليها القرار «واجب».. فرغم أن معظم منافع الدعم تعود على الأغنياء؛ فإنّ ذلك لا ينفى استفادة الفقراء من الدعم.. وبالتالى.. فإن تضرر الفقراء من رفع أسعار منتجات الطاقة (أمر حتمى)؛ إذ سترتفع - يقينًا - تكاليف النقل، وأسعار المنتجات الأساسية و«المنتجات الغذائية».. أى أنّ أثر القرار يتجاوز (فى حقيقته) رفع أسعار منتجات الطاقة، نفسها.. وهو ما يستلزم من «الحكومة»، فى المقابل؛ اتخاذ عدد من «الإجراءات التعويضية»؛ لرفع معاناة الطبقتين الأكثر تضررًا: (الطبقة الفقيرة، والطبقة الوسطى).
 
واقعيًّا.. قطعت «الدولة المصرية» خطوات جادة فى إعادة توجيه الدعم لمستحقيه.. هذه الخطوات تُمثل، فى حد ذاتها، ظهيرًا قويًّا للحكومة (الجهة التنفيذية)، إذ أحسنت تسويقها؛ لتوضيح جدوى قراراتها أمام الرأى العام:
 
(أ) - منح علاوتين اجتماعيتين للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية بواقع علاوة دورية 7 % (بحد أدنى: 65 جنيهًا)، وعلاوة استثنائية لمواجهة الغلاء بواقع 7 % (بحد أدنى 65 جنيهًا).
(ب) - منح علاوتين أخريين لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنيــة بواقع علاوة دوريــــة 10 %.. وعلاوة استثنائية بواقع 10 % أيضًا.
(ج) - زيادة مخصصات التموين للمواطنين من 15 جنيهًا (منذ سنتين) إلى 50 جنيهًا (قبل قرار تحريك أسعار الوقود بأيام).
(د) -  زيادة المعاشات لأكثر من مرة خلال السنوات الماضية.
(هـ) - الاستمرار فى برامج الحماية الاجتماعية، مثل: برنامج (تكافل وكرامة)؛ لخدمة نحو 1.75 مليون أسرة.. كجزء من «برنامج الرئيس» لرعاية الطبقات الأكثر احتياجًا.. وهو  برنامج تم تنفيذه ابتداءً من مارس العام 2015م.. مع رفع قيمة «معاش التضامن الاجتماعى»؛ ليبلغ فى ميزانية العام 2015م/ 2016م، نحو مليار و600 مليون جنيه.
 
إنجازات «الدولة» (بمؤسساتها المختلفة)، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، متشعبة وممتدة.. لا ينكرها ذو عينين.. فلماذا يرتبك - إذن - وزراء الحكومة؟!.. ارتباك غير مبرر على الإطلاق.. لهم فى المشروعات القومية (الكُبرى) خير مُعين.. فثمة مواجهة «حقيقية» لمشكلات متراكمة منذ سنين.
 
نفذت الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة (وحدها) نحو 22 مشروعًا فى مجال الإسكان.. و13 مشروعًا فى مجال الرعاية الصحية.. و83 مشروعًا فى مجال النقل والمواصلات..  و8 مشروعات فى مجال المنشآت التعليمية.. و26 مشروعًا فى مجال إمدادات المياه.. و18 مشروعًا فى المجالات الرياضية والتثقيفية.. ومشروعين فى مجال ترميم المنشآت الدينية المُضارة.. ومشروعًا فى مجال تطوير العشوائيات.. و32 مشروعًا فى تنمية سيناء.. و22 مشروعًا فى مجال الخدمات العامة.. و29 مشروعًا فى مجالات الصرف.. إلى جانب مشروع تنمية قناة السويس.
 
الإنجازات واضحة.. والعمل على الأرض ظاهر للعيان.. والعَجَلة لم تتوقف - فى أى وقت - عن الدوران.
لكن.. على الحكومة أيضًا أن تتعلم كيف تستثمر رصيد الدولة (ظهيرها القوى) فى تسويق قراراتها الخاصة ببرنامج الإصلاح الاقتصادى.. وأن تتعلم - كذلك - من أخطاء الماضى، كيف تُحكم قبضتها (سريعًا) لضبط إيقاع السوق؛ تخفيفًا لأثر القرارات عن الطبقات الأكثر تضررًا.
 
----------------------------------
*نقلا عن مجلة روزاليوسف، 1-7-2017.
طباعة

تعريف الكاتب

هاني عبدالله