أثار القرار الذي اتخذته ست دول عربية ( السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر واليمن، وليبيا) الاثنين 5 يونيو 2017 بقطع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع قطر تساؤلات حول أسباب ذلك، والسيناريوهات المحتملة للدور القطري في المرحلة المقبلة.
ويمكن تحديد ثلاثة أسباب أساسية للأزمة مع قطر التي تفجرت عقب القمة الخليجية الإسلامية الأمريكية في مايو 2017 بعد التصريحات العدائية التي نسبت إلى الأمير تميم، والتي تدفع بفصل جديد وغير مسبوق في تاريخ مجلس التعاون الخليجي.
- السبب الأول: حائط الصد ومحطة التطابق بين قطر والإرهاب: حيث وصل المشروع القطري إلى حائط الصد الذي تطابق فيه كليا مع الإرهاب، وكان ذلك واضحا في خطب وكلمات الأمير تميم في السنوات الماضية في الأمم المتحدة والقمم العربية، حيث أبدى فيها قدرا كبيرا من التعاطف مع القوى والجماعات الإرهابية، ودعا إلى وضع الاعتبار للأوضاع السياسية والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أفرزت تلك الجماعات.
ووضع هذا الخطاب قطر في مساحة قريبة من تنظيمات إرهابية مثل، "داعش"، والقاعدة، والنصرة، ولم تعد هناك خطوطا فاصلة في الصورة الذهنية بين إسلام قطر وإسلام القاعدة وداعش، وهو الخطاب الذي جعل "قناة الجزيرة" القطرية في السنوات الأخيرة أشبه بصوت ديماجوجي تحكمت به الإيديولوجية على حساب الاحترافية، وبرز ذلك جليا حين أخذ الإرهاب يضرب في لندن وباريس وبرلين ونيويورك وموسكو، فضلا عن العواصم العربية.
في أوضاع كهذه، تأكد للمملكة العربية السعودية أن السياسة القطرية تنجرف إلى تحالفات مريبة مع قوى الإرهاب والإسلام السياسي وتركيا، وكان التحرك السعودي سريعا واستدار دورة كاملة لنفض الحمولات السياسية للمشروع القطري. وقد ألمحت بيانات الدول(السعودية، والإمارات، والبحرين) في قراراتها بقطع العلاقات مع قطر عن توجيه تهمة مباشرة لقطر برعاية الإرهاب.
- السبب الثاني: تعارض الخط الاستراتيجي لقطر والمشروع السعودي: حيث تعاظم المشروع القطري على مدى العقدين الماضيين على حساب أدوار القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة (مصر والسعودية تحديدا)، وهو ما ساعد عليه توجه إدارة بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر.
وبعد سنوات لم يكن من السهل كبح جماح الدبلوماسية القطرية. وحين بدأت السعودية بصياغة مشروعها السياسي ورؤيتها الاستراتيجية 2030، واتجهت لإحكام المفاصل في الوضع الداخلي، وتحركت لتنويع الشراكات العالمية، برزت تناقضات الدور القطري مع المملكة.
فقد عملت قطر على تسكين المملكة ووضعها في قلب المشروع الإخواني - التركي، وهو ما كان يلقي بأعباء المشروع القطري في دعم الجماعات المسلحة وشبكاته الداعمة للإرهاب على كاهل المملكة. وحين أدركت الإدارة السعودية ذلك، استدارت استدارة كاملة، واتجهت إلى إبرام صفقة كبرى ضخت الدماء في شرايين التحالف الاستراتيجي الخليجي الأمريكي، تقوم بالأساس على دعامتين هما: مواجهة إيران، والتصدي للإرهاب.
وباستمرار خطها الداعم لقوى الإرهاب، ثم إعلانها موقفها الأخير من إيران، تصادمت قطر مع التخطيط الاستراتيجي السعودي، والمشروع والرؤية الجديدة للمملكة، وعلاقة الخليج بالعالم (صفقة القرن)، وهو ما تطلب أقصى مستوى للرد السياسي، لأن التوجه القطري يجهض المشروع السعودي الجديد ويسقطه كليا.
- السبب الثالث: الانفعال في إدارة الأزمة ومؤشرات الابتزاز: أحد الأسباب الأساسية التي أوصلت الأزمة إلى الذروة، واستدعت الرد الدبلوماسي الأقصى، هو التعامل القطري المنفعل في ظل الأزمة، والسلوكيات والتصريحات التي أفصحت عن نيات وقناعات غير ودية وعن منحي قطري ابتزازي.
ويبرز ذلك بشكل واضح في التصريحات التي نسبت إلى الأمير تميم، والتي أشار فيها إلى قوة علاقات بلاده بإيران، واعتبر أن الجمهورية الإيرانية قوة كبيرة تضمن الاستقرار في المنطقة، وأيضا حين تحدث عن قاعدة "العُديد" العسكرية، معتبرا أنها تحمي قطر من الجوار، وبرز أكثر في تجاوزه على المملكة العربية السعودية بالقول إن "الخطر الحقيقي هو سلوك بعض الحكومات التي سببت الإرهاب بتبنيها لنسخة متطرفة من الإسلام"، وهو ما بدا تعريضا بالمملكة العربية السعودية.
لقد أكد كل ذلك صعوبة التعايش مع قطر التي تحتفظ بقدم داخل مجلس التعاون وقدم خارجه، وبمشروع يهدد باقي الدول، وأنه إذا كانت سلطنة عمان قد تبنت سياسات مختلفة عن المجلس، فهي لم تخرج عن حدود السياسات المقبولة، لاسيما وأن السلطنة قد عرفت بتوجهاتها الخاصة منذ ما قبل نشأة المجلس وعضويتها فيه.
أما قطر فقد مثلت بقناعات أميرها الشاب ومن قبل والده الأب حمد المعادية للمملكة، والتي أوجزها شريط مسجل له مع العقيد القذافي، وتسبب في خلعه عن الحكم، وهذه السلسلة المتسقة الحلقات لأمراء الدوحة أكدت ما تضمره الإمارة الصغيرة للدولة الأكبر في جوارها.
سيناريوهات الأزمة:
تبدو الأزمة الحالية مختلفة نوعيا عن نظيرتها الكبيرة السابقة التي تفجرت في ظل وجود الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز عام 2014، والتي اقتصرت المؤشرات الهجومية خلالها على قرار السعودية والإمارات والبحرين بسحب السفراء.
فقد وصلت الإجراءات المتخذة ضد قطر - من جانب السعودية والإمارات والبحرين- في الأزمة الراهنة إلى كافة المستويات الأدنى من المستوى العسكري، واتجهت إلى فرض واقع حصار اقتصادي برزت آثاره داخل قطر بسرعة لافتة، وأيضا من ناحية مستوى الهجوم السياسي المتبادل، والذي وصل إلى حد حملات شرسة بين النظم السياسية وبعضها بعضا وعبر القنوات الرسمية(الصحف والفضائيات) فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي.
في ضوء ذلك، تبرز ثلاثة سيناريوهات مرشحة لتطور الأزمة على النحو التالي:
أولا:" تحول استراتيجي في السياسة القطرية (تغيير السلوك): فلن يكفي في حل الأزمة الراهنة وعود أو تعهدات من جانب الأمير تميم، على نحو ما حدث في المرة السابقة عام 2014، فهذه المرة سوف يتجه الموقف السعودي والإماراتي إلى اشتراط تنفيذ إجراءات وتعهدات قطرية بجدول زمني محدد، مثل إصدار بيان سياسي على شكل اعتذار معلن من قطر تتبرأ فيه من توجهاتها ومشروعها المعادي للخليج، وتحدد فيه موقفها الرسمي من إيران، مع تغيير نهج قناة الجزيرة شكلا ومضمونا، وربما وقفها كليا، فضلا عن خطوات عملية لوقف علاقة قطر بقوى الإرهاب والجماعات المسلحة، وإخراج عناصر الإخوان الذين يتحكمون بمفاصل السياسة والإعلام والدين في قطر وتسليمهم إلى بلدانهم، وإنهاء أدوار مراكز أبحاث تغذي قناعات وأفكار عدائية نحو دول الخليج ومصر. ويمكن لمساعي الوساطة الخليجية والأمريكية أن تحقق أغلب هذه الشروط.
ثانيا: بديل آخر توافقي من داخل أسرة آل ثاني(تغيير داخلي): إذا استمر الخط الراهن للسياسة القطرية لفترة، وتزايدت المؤشرات العدائية الإعلامية والسياسية من قطر نحو المملكة والإمارات، فقد يصل الهجوم الشخصي والسياسي القطري إلى مستوى يتعذر فيه التعامل مرة أخرى مع الأمير تميم. وهنا قد تقدم أسرة آل ثاني على طرح بديل آخر من داخلها، من بين أبناء الأمير حمد، يكون أكثر مقبولية من الأمير الحالي تميم، على نحو ما جرى مع الأمير الأب. وهنا تظل عملية التغيير السياسي في قطر ملتزمة بقواعد وآليات نقل السلطة التي أقرت لولاية العهد. وفي ظل ذلك أيضا ليس مستبعدا أن تصل الضغوط داخل أسرة آل ثاني إلى حد دفعهم إلى تقديم بديل من فرع آخر للأسرة من غير أبناء حمد.
وهنا لا يمكن الاستهانة ببيان الاعتذار إلى المملكة من جانب فرع أحمد بن على آل ثاني (أبناء عمومة تميم)، أو المعلومات التي أشارت إلى اتصالات بين الأمير الأب حمد وشقيق تميم (عبد الله) الذي يتقلد منصب نائب الأمير.
- تصاعد الإجراءات القسرية (تحركات للمواجهة العسكرية): وهو سيناريو محتمل حال استمرار قطر على خطها السياسي دون تغيير، خصوصا فيما يتعلق بقناة الجزيرة، وتوجهاتها المعادية لدول مجلس التعاون الخليجي، أو استمرارها في التقارب مع إيران، وبالأخص إذا جرفت كتائب الإخوان الإعلامية والسياسية قطر إلى مزيد من السلوكيات الانفعالية والعدائية نحو المملكة والإمارات، مع استمرار القراءة الخطأ للواقع، على نحو ما حدث في مصر مع الرئيس المعزول محمد مرسي، والانحراف بقطر أكثر إلى مشروع راديكالي يناصب العداء لأنظمة الخليج.
ومن غير المستبعد أن تزيد تلك المؤشرات من السعي السعودي للتغيير القسري في قطر، وهو ما يمكن أن يجري بترتيبات محددة مع الولايات المتحدة، وفي ظل حزمة إجراءات جديدة، بحيث تنتقل القاعدة العسكرية الأمريكية إلى دولة خليجية أخرى وتصبح الخدمات القطرية للولايات المتحدة بلا قيمة، ويجري إنهاء العلاقة الخاصة ووقف الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة لنظام الحكم القطري، وفي هذه الحالة يمكن تصور دعم خليجي عسكري لانقلاب داخلي في قطر يأتي بفرع آخر من أسرة آل ثاني.
ويبقى أن السيناريوهات السابقة لم تتضمن سيناريو إمكان تراجع دول المجلس عن موقفها وتنازلها إزاء قطر، على أساس أن هذا الموقف مستبعد كليا في سياق هذه الأزمة.