منذ أن تم انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة ودخوله إلى البيت الأبيض، توالت الزيارات من مختلف قادة العالم للتعرف على سيد البيت الأبيض الجديد وتدعيم العلاقات معه. كان أول الزائرين بعد انتخابه مباشرة وقبل دخوله البيت الأبيض رئيس الوزراء اليابانى شنزو ابى، وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى أول من قام بزيارة ترامب فى مسكنه الجديد بالبيت بالأبيض. تعددت الزيارات واللقاءات بعد ذلك ونذكر منهم رئيس وزراء كندا بيير ترودو والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإسرائيلى وغيرهم. وقد حضر كل زائر إلى البيت الأبيض وهو يحمل مجموعة من الأهداف، ولكن كان هناك دائما هدف رئيسى يسعى كل زائر إلى تحقيقه والظفر به بعد لقاء سيد البيت الابيض الجديد. دعونا هنا نركز على أربع زيارات بالتحديد وهم تيريزا ماى ومحمد بن سالمان ولى ولى العهد السعودى ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وأخيرا الرئيس عبدالفتاح السيسى.
رغم أوجه التشابه فى رؤى كل من تيريزا ماى ودونالد ترامب بشأن العديد من القضايا والملفات، وعلى رأسها قضيتا اللاجئين والمهاجرين، وتأييد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، إلا أن التباين فى وجهة النظر إزاء العلاقة مع روسيا وحلف الناتو كان العنوان الأبرز فى التمهيد للقاء بينهما. وقد حرصت ماى على إبراز أن هدفها من اللقاء كان العمل على كسب ترامب لوجهة نظر بلادها حول الخطر الروسى وتليين موقفه بشأن الناتو الذى وصفه فى خضم حملته الانتخابية أنه بات «بلا جدوى». وجاءت تصريحات ترامب أثناء زيارة ماى بشأن أهمية حلف شمال الاطلنطى ليعزز مركز بريطانيا كخير وسيط بين واشنطن من ناحية وبين دول حلف الناتو فى اوروبا من ناحية اخرى، ليؤكد أن مركز بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الاوروبى على الساحة الدولية لن يتأثر كما تنبأ البعض.
فإذا انتقلنا إلى زيارة ولى ولى العهد السعودى، والتى جاءت بعد الفتور الواضح فى العلاقات بين واشنطن والرياض على خلفية الاتفاق النووى الموقع مع إيران فى عهد أوباما، فإننا ندرك الأهمية الخاصة التى أولاها الجانب السعودى لتلك الزيارة والعمل على بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين. وكما نعرف فإن من أهم نتائج هذه الزيارة كان الاتفاق على تشكيل قوة عسكرية من أربعين ألف جندى لمحاربة الارهاب تحت مظلة ما بات يعرف باسم «التحالف الإسلامى». يضاف لما سبق التماهى فى لغة الجانبين السعودى والأمريكى إزاء إيران، وهو ما يشكل دعما أمريكيا تاقت إليه السعودية فى صراعها مع ايران.
ولعل الرابح الأكبر من زيارته للبيت الأبيض ولقائه مع ترامب كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، فترامب لم يخف دعمه المطلق لإسرائيل اثناء حملته الانتخابية وأكد بكل قوة وإصرار عزمه على نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس. ورغم علم نتنياهو بمواقف ترامب المؤيدة له وانتهاء مرحلة الفتور التى تميزت بها العلاقة مع أوباما، إلا أن ما تحقق خلال الزيارة فاق توقعات بلاده وتخطى أقصى طموحاته، وأقصد بذلك تراجع ترامب عن الالتزام بحل الدولتين لصالح حل الدولة الواحدة فى حالة اتفاق الطرفين. وهو ما يمثل تراجعا لأحد الثوابت الدولية والعربية والفلسطينية والذى يتمسك بحل الدولتين للقضية الفلسطينية.
وفيما يتعلق بزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى واشنطن، فطبقا لما نشرته وسائل الإعلام كان هناك توافق على محاربة الارهاب باعتباره أولوية متقدمة على غيرها من الموضوعات. كما تم الاتفاق أيضا على عقد قمة خماسية فى واشنطن تضم مصر والاردن وفلسطين وإسرائيل وأمريكا خلال شهر يوليو القادم، للتوصل لصفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى. ولا شك أن هاتين النتيجتين تمثلان أهم نتائج الزيارة، وهما أمران إن تحققا فإنهما يمثلان بداية جديدة للعالم العربى ومنطقة الشرق الاوسط بأكملها.
إلا أنه ورغم ما تقدم، وما تم التوصل إليه من نتائج وتفاهمات خلال هذه الزيارات إلى البيت الأبيض، فإن تحقيق أو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع هذا الطرف أو ذاك يظل رهينة عدد من العوامل والاعتبارات التى يجب أن يتم اخذها فى الحسبان. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، موقف الأطراف أو اللاعبين الآخرين وعلى رأسهم روسيا. فنحن ما زلنا فى انتظار لقاء ترامب مع بوتين والذى لم يتحدد موعده بعد، وهل سيكون يالتا جديدة يتم خلاله تقاسم النفوذ حول العالم أم ستنفجر الخلافات بين القطبين الكبيرين؟ وهل سيؤدى هذا اللقاء إلى نتائج تدعم أم تقوض ما تم التوصل إليه من اتفاقات وتفاهمات بين ترامب والزعماء الآخرين. ومنها ايضا شخصية ترامب ذاتها، وما عرف عنها من تقلبات حادة. وهو الأمر الذى أدى إلى شبه إجماع بين المحللين والمراقبين على صعوبة التنبؤ بخطواته القادمة. وقد رأينا مثال ذلك فى قراره بتوجيه ضربة عسكرية صاروخية ضد إحدى القواعد الجوية السورية اثناء زيارة الرئيس الصينى له، ودون الأخذ فى الاعتبار ما يمكن ان يسببه هذا القرار من حرج لضيفه أو حتى لأحد أقرب حلفائه فى المنطقة. ومن هذه الاعتبارات أيضا الموقف الداخلى الأمريكى وتطور علاقة ترامب بالكونجرس وهل سيكون الأخير معينا أم معوقا للرئيس فى قراراته وسياساته.
--------------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، 10-4-2017.