ظلت الصراعات التقليدية والقوة العسكرية تحددان لفترة طويلة طبيعة الخطابات السياسية، وحدود وهيكل النظام العالمي، وموقع القوي الكبري منه. إلا أن اتساع تأثيرات العامل التكنولوجي في السياسات الدولية، بعد انتهاء الحرب الباردة، أضاف أبعادا أخري للقوة العسكرية، حيث تلاشت الفواصل والحدود بين ما هو مدني وعسكري. ومن ثم، أخذت الصراعات سمات غير تقليدية، سواء من حيث الفاعلون، أو القضايا، أو ديناميات التفاعل في عالمنا الرهن.
ومع بروز الفضاء الإلكتروني أو السيبراني (Cyberspace) كساحة للصراع العالمي، واجهت المفاهيم التقليدية، مثل الصراع، والأمن، والقوة، والسيادة، تحديات واضحة، خاصة لجهة مدي ملاءمتها، أو حتي تكيفها مع طبيعة التفاعلات في الواقع الافتراضي. لذا، برزت الحاجة إلي مداخل ورؤي نظرية أكثر قدرة علي تفسير طبيعة التغيرات التي ألحقتها الحقائق التكنولوجية بهذه المفاهيم.
من هنا، تسعي هذه الورقة إلي مناقشة ظاهرة الصراعات السيبرانية Cyber conflicts، من حيث ماهيتها، وعوامل نشأتها، وحدود الاختلاف عن نظيراتها التقليدية، فضلا عن الاتجاهات المفسرة لهذه الظاهرة، ومساراتها المستقبلية في تشكيل التفاعلات العالمية.
أولا- الفضاء السيبراني .. لماذا التصارع؟
اختصر الفضاء السيبراني حاجز الزمان والمكان، وخلق مساحات للتفاعلات الداخلية والدولية في الواقع الافتراضي. ومن ثم، برزت فضاءات جديدة للصراع بأدوات مختلفة، وأنماط جديدة تختلف عن الصراعات التقليدية. وتعود أسباب اهتمام الفاعلين، سواء أكانوا من الدول، أم غيرها، بهذا الفضاء، كمجال لتحقيق الهيمنة، وتنفيذ الأهداف، وإدارة الصراعات، إلي امتلاكه عدة سمات أساسية. (للمزيد طالع المجلة)