عندما يقرأ القارئ الكريم هذا المقال يكون شهر فحسب قد تبقى على انعقاد القمة العربية الدورية في العاصمة الأردنية وهكذا تكون دورة كاملة قد دارت منذ انعقاد القمة الدورية الأولى في عَمان في 2001 بعد أن أقرت قمة القاهرة 2000 بروتوكول الانعقاد الدوري للقمم العربية كل عام في إحدى الدول العربية بالترتيب الأبجدي. ويثير هذا التساؤل كيف تكتمل دورة كاملة في ستة عشر عاماً بينما يبلغ عدد الدول العربية اثنتين وعشرين دولة؟ والواقع أن الإجابة تكمن في الظروف العربية، فبعض الدول العربية بعيد عن التفاعلات العربية أصلاً كالصومال وجيبوتي وجزر القمر، وبعضها لم تمكنه ظروفه كاليمن، وبعضها اعتذر كما حدث في العام الماضي حين استخلص المغرب من الأوضاع العربية القائمة أن انعقاد القمة لن يكون مفيداً بحال. وعلى رغم أن وجهة النظر المغربية كانت لها جدارتها إلا أن مشكلتها أنها كانت تتعارض مع منطق دورية القمة أصلاً، لأن الدورية تقررت على أساس أنه لا يصح أن تغيب القمم العربية عن مواجهة التحديات التي يواجهها العرب بحجة صعوبة الظروف وعدم ملاءمتها لتحقيق اختراق في الأوضاع العربية السيئة. والواقع أن أحداً لا يستطيع أن يحكم على سبيل القطع بصحة إحدى وجهتي النظر فلاشك أن الانعقاد الدوري للقمم يُطَمئن إلى إمكانية المواجهة الناجحة للتحديات من ناحية، ولكن قمة نواكشوط التي انعقدت بعد اعتذار المغرب وقبول موريتانيا تحدي عقدها جاءت من ناحية أخرى بسبب الملابسات التي أحاطت بانعقادها ضعيفة من حيث التمثيل على المستوى القيادي، فلم يحضرها إلا أكثر قليلاً من ثلث القادة العرب، وهو ما دفع إلى الترحم على زمن لم يكن يغيب فيه قائد واحد عن الحضور، كما حدث في قمة القاهرة 1964 التي دعا إليها الرئيس جمال عبدالناصر لمواجهة مشروعات إسرائيل لتحويل مجرى نهر الأردن.
والآن تقترب القمة مع ازدياد التحديات ضراوة، فالأوضاع العربية ما زالت على ما هي عليه من صراعات عربية ضارية فتحت الباب لتفاقم ظاهرة الإرهاب على نحو غير مسبوق كما يظهر من «داعش» وممارساتها المدمرة في عموم الوطن العربي وبالذات في العراق وسوريا، بل وخارجه، كما أدت هذه الصراعات إلى تهديد كيان الدولة الوطنية العربية في أكثر من دولة، وفَتَح هذا الباب على مصراعيه لتدخل خارجي غير مسبوق في الشؤون العربية على المستويين الإقليمي والعالمي معاً. ثم أضيفت إلى هذه التحديات تداعيات فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة بأفكاره الانقلابية على أمور خلناها استقرت في العلاقات الدولية بل وفي السياسة الأميركية الداخلية ذاتها. ونالنا من هذه التداعيات عدد من المواقف المربكة المتتالية مثل إعادة طرح فكرة نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، ثم تراجعها أو تباطؤها جزئياً، والموقف من الاستيطان الذي بدأ مؤيداً كما ظهر من محاولة ترامب تعويق صدور قرار مجلس الأمن بإدانة الاستيطان قبل أن يتولى الرئاسة فعلياً، ثم تخفيف هذا الموقف بعد ذلك، والموقف من حل الدولتين الذي يجمع عليه العالم فيما يقول هو إن الأمر سيان بالنسبة له، ثم تراجعه بعد ذلك أيضاً، وهكذا. وأخيراً وليس آخراً الحديث عن أحلاف جديدة في المنطقة قد لا نختلف على أهدافها إذا اقتصرت على محاربة الإرهاب ولكننا بالتأكيد نختلف على المنضمين إليها أو محاولة توسيع أهدافها بما يتعارض والمصالح العربية، أو على تلك الفكرة السخيفة التي تطالبنا بتمويل تنفيذ الأفكار الأميركية لترتيب حياتنا. فماذا تفعل قمة عَمان القادمة في مواجهة هذه التحديات كلها؟ يحدوني الأمل في أن تكون القمة مختلفة هذه المرة لأسباب ثلاثة، أولها أن الأوضاع العربية قد تفاقمت على نحو لا يدع مجالاً لأدنى شك في أنه لن يحفظ أمن العرب سواهم، فكل الأطراف المتدخلة في شؤونهم لا تبحث إلا عن مصالحها، ومن ثم وجبت إعادة الاعتبار إلى الأمن القومي العربي. والثاني أن ثمة بوادر مشجعة لتخفيف توترات إقليمية لو تبلورت في إطار الحفاظ على الحقوق العربية قد تساعد على تسوية الصراعات العربية الراهنة. والثالث هو الدبلوماسية الأردنية النشيطة التي تدرك أهمية نجاح القمة وضرورته للعرب جميعاً، والنموذج التعاوني لعلاقات الأردن العربية الذي سيساعد دون شك على تمثيل أفضل للقادة العرب في هذه القمة.
---------------
* نقلا عن الاتحاد، 28-2-2017م.