يعد الثبات والاستمرارية سمتين أساسيتين تميزان سعي الصين لتحقيق الأهداف الكبري لسياستها الخارجية. ويجد هذا الأمر جزءا من تفسيره في سمة أخري تمتاز بها تلك السياسة، ألا وهي مراقبة الوضع الدولي بروية وحذر، حيث يعمل صانع القرار الصيني علي التحليل العلمي والدقيق لمختلف التداعيات الجيوسياسية المعقدة، والإعداد البراجماتي للسياسات علي الصعيدين الداخلي والخارجي، في عالم بات يتسم بتغير متسارع، يقترب من حالة السيولة، في أنساق القوة وموازينها، وفي شبكات المصالح وتقاطعاتها، ما يستوجب قدرا مهما من ضبط النفس الاستراتيجي، والمرونة التكتيكية.
ويكشف تتبع مجمل الأثر التراكمي للسياسات الصينية علي الصعيدين الداخلي والخارجي، منذ سبعينيات القرن العشرين، عن محاولة النظام السياسي الصيني تأسيس نموذج سياسي قوي ومرن، قادر علي التكيف مع كل المتغيرات في البيئتين الداخلية والخارجية، يعزز من دور الصين الدولي، ويوفر لها في لحظة ما في المستقبل تبوؤ "مكانة مركزية" في العالم من جديد. ويبدو أن خيارات الصين الاستراتيجية تتركز حول إعادة إحياء مملكة الوسط الكبري التي حكمت مناطق شاسعة من قارة آسيا طيلة قرون. ومن أجل هذا، تسعي الصين جاهدة للاستفادة من مزايا جغرافيتها التي صنعت تاريخها، وهو ما يتطلب بداية تركيز أدوات سياساتها الخارجية لحماية أمنها القومي في محيطها الإقليمي، ومن ثم تحقيق حلم النهضة الكبري للأمة الصينية.