تحت شعار "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتاريخ 6 نوفمبر 2024 فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب ونائبه جيمس ديفيد فانز بسباق الانتخابات الأمريكية لعام 2024، وإعلانه الرئيس الأمريكي السابع والاربعون، بمجموع عدد أصوات شعبية واحد وسبعون مليون صوت وعدد مقاعد في المجمع الانتخابي 292 مقعدا، في حين حصلت المرشحة الديمقراطية كاملا هاريس ونائبها تيم والز على عدد أصوات شعبية سبعة وستون مليون صوت وهو ما يمثل عدد مقاعد في المجمع الانتخابي 224 مقعد انتخابي. فالفوز في الانتخابات الرئاسية الامريكية يتطلب عدد مقاعد في المجمع الانتخابي 270 مقعدا.
تظهر النتائج فوز دونالد ج. ترامب في كلا الكتلتين التصويتيين سواء على مستوى الأصوات الشعبية او على مستوى المقاعد في المجمع الانتخابي، وهو ما يظهر توجهات الرأي العام الأمريكي. فنظام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة هو نظام معقد يعتمد على آلية تُعرف بـ "المجمع الانتخابي" حيث يقوم الناخبون في كل ولاية بانتخاب المندوبين الذين يمثلونهم في المجمع الانتخابي، وهؤلاء المندوبون هم الذين يختارون الرئيس ونائبه، وعددهم الإجمالي 538 مندوباً يتم توزيعهم على الولايات بحسب عدد سكان كل ولاية. تحصل كل ولاية على عدد معين من المندوبين يعادل مجموع ممثليها في مجلس النواب والشيوخ، في حين تحصل العاصمة واشنطن (رغم أنها ليست ولاية) على 3 مندوبين.
على الرغم من أن الناخبين يصوتون مباشرة للمرشحين، إلا أن هذه الأصوات تعتبر أصواتًا شعبية ولا تُحدد الفائز بشكل مباشر. فالفائز الفعلي يتحدد من خلال أصوات المجمع الانتخابي، وغالبية الولايات تطبق مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء"؛ أي أن المرشح الذي يحصل على أكثر الأصوات الشعبية في الولاية يفوز بجميع أصوات المجمع الانتخابي لهذه الولاية. هناك استثناءات قليلة مثل ولايتي نبراسكا وماين، حيث تُوزع الأصوات بطريقة نسبية. ولكي يفوز المرشح بمنصب الرئاسة، يجب أن يحصل على غالبية الأصوات في المجمع الانتخابي، أي 270 صوتاً أو أكثر من إجمالي 538 صوتاً. إذا حصل مرشح على 270 صوتًا أو أكثر، يُعلن فوزه بالرئاسة. إذا لم يحصل أي مرشح على 270 صوتاً، ينتقل القرار إلى مجلس النواب الأمريكي، حيث يقوم أعضاؤه بالتصويت لاختيار الرئيس من بين المرشحين الثلاثة الحاصلين على أعلى الأصوات في المجمع الانتخابي. يتم التصويت في مجلس النواب على أساس كل ولاية بصوت واحد، وليس لكل عضو. أما مجلس الشيوخ فيتولى اختيار نائب الرئيس من بين المرشحين الاثنين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات.
هذا النظام الانتخابي يعزز من التوازن بين الولايات الكبيرة والصغيرة، بحيث لا يتم تجاهل تأثير الولايات ذات الكثافة السكانية المنخفضة في الانتخابات. ولكن يُنتقد نظام المجمع الانتخابي أحياناً لأنه قد يؤدي إلى انتخاب رئيس لم يحصل على غالبية الأصوات الشعبية على مستوى البلاد، وهو ما حدث في بعض الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث فاز المرشح بالرئاسة رغم حصوله على أقلية من الأصوات الشعبية، بسبب حصوله على الأغلبية المطلوبة في المجمع الانتخابي. مثل، "جورج بوش الابن" في انتخابات[1]2000, ففي هذه الانتخابات، حصل جورج بوش الابن على 271 صوتًا في المجمع الانتخابي مقابل 266 صوتًا لمنافسه "آل جور"، رغم أن آل غور حصل على عدد أكبر من الأصوات الشعبية بفارق حوالي 500,000 صوت. حُسمت الانتخابات بعد إعادة فرز الأصوات في ولاية فلوريدا، التي منحت بوش الأصوات المطلوبة للفوز. و"دونالد ترامب" في انتخابات 2016[2] , حيث حصل دونالد ترامب على 304 أصوات في المجمع الانتخابي مقابل 227 صوتًا لمنافسته "هيلاري كلينتون"، رغم أن كلينتون حصلت على حوالي 2.9 مليون صوت أكثر منه في التصويت الشعبي. فاز ترامب بسبب انتصاراته في عدة ولايات متأرجحة مثل بنسلفانيا وميشيغان وويسكنسن.
أولا- أبرز المحددات المؤثرة في الانتخابات الرئاسية الامريكية :
تأثرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بعدد من المحددات والعوامل التي ساهمت في تشكيل نتائج الانتخابات. هذه العوامل تختلف من دورة انتخابية إلى أخرى، لكنها تظل ثابتة بشكل عام في تأثيرها على الناخبين. من أبرز هذه المحددات التي اثرت على مجرى الانتخابات الرئاسية الامريكية هي:
1 – الاقتصاد: يُعتبر أهم العوامل التي أثرت على الانتخابات الأمريكية. فمستويات البطالة، والنمو الاقتصادي، والتضخم، والسياسات الاقتصادية تؤثر في قرارات الناخبين. والمرشح الذي يتمكن من تقديم رؤية اقتصادية قادرة على تحسين الظروف الاقتصادية غالبًا ما يتمتع بدعم شعبي أكبر. فقدم الحزب الجمهوري التزامًا واضحًا بمكافحة التضخم، الذي يعتبره أزمة حادة تضر بالطبقة المتوسطة، وتؤدي إلى تدمير ميزانيات الأسر الأمريكية. ويرون أن التضخم أصبح أكبر ضريبة على الأسر الأمريكية، وأنه لن يختفي إلا بتغيير السياسات الاقتصادية المتبعة حاليًا. يهدف الحزب إلى هزيمة التضخم من خلال مجموعة من الإجراءات الاقتصادية التي تهدف إلى استعادة استقرار الأسعار بسرعة، مع التركيز على معالجة أزمة تكاليف المعيشة وتحسين الوضع المالي العام في البلاد. تشمل هذه السياسات:
1. إطلاق العنان للطاقة الأمريكية: ففي عهد الرئيس ترامب، أصبحت الولايات المتحدة المنتج الأول للنفط والغاز الطبيعي في العالم. يلتزم الحزب الجمهوري بإعادة هذه المكانة من خلال رفع القيود المفروضة على إنتاج الطاقة الأمريكية، وإنهاء ما يصفه بالصفقة الخضراء الاشتراكية الجديدة. الهدف هنا هو زيادة إنتاج الطاقة من جميع المصادر، بما في ذلك الطاقة النووية، ما سيسهم في خفض التضخم فوريًا وتوفير طاقة موثوقة بأسعار معقولة للمنازل والمصانع والسيارات الأمريكية.
2. الحد من الإنفاق الفيدرالي المسرف: ينوي الجمهوريون استقرار الاقتصاد بسرعة من خلال خفض الإنفاق الحكومي غير الضروري، والذي يراه الحزب سببًا من أسباب التضخم. بالحد من هذا الإنفاق، يعتقد الحزب أنهم سيتمكنون من تعزيز النمو الاقتصادي والحفاظ على استدامة المالية العامة.
3. خفض اللوائح التنظيمية المكلفة والمرهقة: سيعمل الجمهوريون على إعادة تطبيق السياسات التجارية التي انتهجها الرئيس ترامب، والتي تقول بعض التقارير أنها وفرت حوالي 11 ألف دولار لكل أسرة أمريكية. كما يهدفون إلى إنهاء ما يصفونه بالهجوم التنظيمي الذي ينتهجه الديمقراطيون، والذي يؤثر بشكل غير متناسب على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
4. وقف الهجرة غير الشرعية: أحد المحاور الأساسية في رؤية الحزب الجمهوري هو تأمين الحدود الأمريكية، حيث يلتزمون بترحيل المهاجرين غير الشرعيين ووقف سياسات الحدود المفتوحة التي يعتقدون أنها تسببت في ارتفاع تكاليف السكن والتعليم والرعاية الصحية، مما أثقل كاهل الأسر الأمريكية.
5. استعادة السلام من خلال القوة: يتبنى الحزب الجمهوري رؤية أن الحروب تولد التضخم، بينما يساهم الاستقرار الجيوسياسي في استقرار الأسعار. لذا، سيعمل الجمهوريون على تعزيز قوة الولايات المتحدة لتأمين السلام في الساحة الدولية، وهو ما يعتقدون أنه سيكون له تأثير إيجابي على استقرار الأسعار في الداخل.
2 - القضايا الاجتماعيةالمتعلقة بالحقوق المدنية، والرعاية الصحية، والتعليم، والمساواة بين الأعراق والجنس تمثل أيضًا محاور رئيسية في الحملات الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية 2024. حيث إن الناخبين في الولايات المتحدة يتفاوتون في اهتماماتهم بهذه القضايا، مما يعكس تباينًا في التصويت بناءً على هذه المعايير.
فيحرص الحزب الجمهوري على حماية كبار السن من خلال ضمان استمرارية برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية التي تمثل وعودًا للأجيال السابقة. يؤكد الحزب أنه لن يتم قطع أي مبلغ من هذه البرامج الحيوية، التي تشكل شريان حياة لملايين المتقاعدين الأمريكيين. يلتزم الجمهوريون بتوفير بيئة صحية ونشطة لكبار السن، مع ضمان استدامة الموارد المالية لهذه البرامج على المدى الطويل. كما يعد الضمان الاجتماعي من أولويات الجمهوريين، إذ يرون أن سوء إدارة الموارد قد يهدد استدامته في المستقبل. لذلك، يركزون على إعادة الاستقرار الاقتصادي للبرنامج لضمان استمراريته للأجيال القادمة. وفيما يتعلق بـ الرعاية الطبية، يسعى الحزب الجمهوري للحفاظ على تمويل الرعاية الصحية بعيدًا عن التأثيرات المالية السلبية الناتجة عن التوسع في إدراج المهاجرين غير الشرعيين ضمن المستفيدين من الرعاية. ويعمل الجمهوريون على دعم الحياة النشطة والصحية لكبار السن، من خلال توجيه الجهود نحو الوقاية من الأمراض المزمنة وتوسيع نطاق الرعاية طويلة الأجل. ومن ضمن هذه الجهود، يركزون على تحفيز السياسات التي تساعد كبار السن على البقاء في منازلهم وحمايتهم من المشاكل المالية. كما يلتزم الحزب بإعادة توجيه الموارد نحو الرعاية المنزلية لكبار السن، مما يسهم في تخفيف الضغوط على النظام الصحي. فيهدف الجمهوريون إلى حماية الأسس الاقتصادية التي تدعم كبار السن، من خلال مواجهة التضخم وتعزيز إنتاج الطاقة المحلية. بذلك، يضمن الحزب استدامة برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية للأجيال القادمة، مما يسهم في الحفاظ على استقرار حياتهم المالية.
وفي إطار تطوير نظام التعليم الأمريكي، يقدم الحزب الجمهوري خطة شاملة تهدف إلى تعزيز البيئة التعليمية وضمان حقوق الوالدين في اختيار الأفضل لأبنائهم. يرون أن المدارس يجب أن تكون آمنة خالية من التدخلات السياسية، وأن التعليم يجب أن يعد الطلاب للحياة المهنية والوظائف ذات الرواتب الجيدة. أحد النقاط الرئيسة في خطة الجمهوريين هو تحسين جودة التعليم من خلال التركيز على اختيار مديرين ومعلمين عظماء، ودعم التميز الأكاديمي. كما يلتزم الحزب بالأجر القائم على الجدارة، وتشجيع مدارس تعتمد على نماذج تعليمية متنوعة تدعمها الحكومة. أما فيما يتعلق بحقوق الوالدين، يدعو الجمهوريون إلى تمكين الأسر من اختيار المدارس التي تناسب احتياجات أطفالهم، من خلال دعم الخيارات التعليمية مثل التعليم المنزلي وحسابات التوفير التعليمية. كما يؤكد الحزب على أهمية إعداد الطلاب للمهن والوظائف من خلال التركيز على التعليم المهني وتقديم تجارب تعليمية عملية. ويعطي الجمهوريون أهمية خاصة لـ سلامة المدارس، ويشمل ذلك تعديل سياسات الانضباط المدرسي، بما في ذلك تعليق الدراسة للطلاب العنيفين وتعزيز إجراءات الأمان لحماية الطلاب من أي تهديدات. إضافة إلى ذلك، يسعى الحزب الجمهوري إلى إحياء التعليم المدني في المدارس من خلال تعليم الطلاب القيم الوطنية والمبادئ التأسيسية لأميركا. كما يدافع عن حرية الصلاة في المدارس العامة، ويعتبر أن هذه الحريات هي جزء أساسي من حقوق الطلاب في التعليم. كما يدعو الجمهوريون إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية ونقل مسؤولية التعليم إلى الولايات، حيث يعتقدون أن هذا سيمكن الولايات من تبني سياسات تعليمية تتناسب مع احتياجاتها الخاصة
فيقدم الجمهوريون خطة شاملة لاستعادة الحلم الأمريكي وجعل الحياة أفضل للجميع من خلال تخفيض تكاليف الإسكان والتعليم والرعاية الصحية، بالإضافة إلى تقليص النفقات اليومية وزيادة الفرص الاقتصادية. في مجال الإسكان، يلتزم الحزب بخفض أسعار الرهن العقاري عبر تخفيض التضخم وفتح أراضٍ فيدرالية محدودة للبناء، مع تقديم حوافز ضريبية للمشترين الجدد وتخفيف اللوائح التنظيمية التي ترفع تكاليف الإسكان. كما يركز الجمهوريون على جعل التعليم العالي أكثر وصولاً عبر تقديم بدائل تعليمية أقل تكلفة من الدورات الجامعية التقليدية، مع التركيز على التعليم القائم على المهارات والتدريب المهني. وفيما يتعلق بالرعاية الصحية، يلتزم الحزب بزيادة الشفافية في النظام الصحي وتعزيز التنافس بين مقدمي الخدمات لتخفيض الأسعار وتوسيع الوصول إلى الأدوية بأسعار معقولة، مع ضمان حماية كبار السن من التكاليف المرتفعة. أخيرًا، يسعى الحزب الجمهوري إلى خفض التكاليف اليومية من خلال تقليص العبء التنظيمي، مما سيؤدي إلى خفض أسعار الطاقة والسلع والخدمات اليومية، مما يساهم في تخفيف الأعباء المالية على الأسر الأمريكية.
3 - السياسات الخارجية والأمن القومي: تطور الأوضاع الدولية، مثل الحروب، الأزمات الدبلوماسية، والتهديدات الأمنية، كان له أثر على نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية 2024.فقد فضّل الناخبون دونالد ترامب لما يُظهره من قوة وحنكة في السياسة الخارجية، خاصة في أوقات التوترات الدولية.
فيرى الجمهوريون أن السياسة الخارجية لإدارة بايدن قد جعلت أمريكا أقل أمانًا وأضعفت مكانتها العالمية، ويؤكدون أن السياسة المستقبلية يجب أن تركز على تعزيز قدرات الجيش وبناء تحالفات قوية لمواجهة التحديات العالمية. فيشمل التزام الحزب تعزيز المصالح الوطنية الأمريكية، مع التركيز على حماية الوطن والشعب والحدود، والدفاع عن القيم الأمريكية. كما يهدف الجمهوريون إلى تحديث الجيش الأمريكي ليكون القوة الأكثر حداثة وفتكًا في العالم من خلال استثمار تقنيات متطورة مثل الدرع الصاروخي "القبة الحديدية"، وتوفير رواتب أعلى للقوات المسلحة.
كما يسعى الجمهوريون أيضًا إلى تعزيز التحالفات الدولية، خاصة في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، من خلال ضمان التزام حلفاء أمريكا بالمشاركة في الدفاع المشترك وتحقيق السلام في الشرق الأوسط. ويؤكد الحزب على أهمية الدفاع عن حدود أمريكا، حيث يعد بمواصلة بناء الجدار الحدودي وتحقيق الأمن عبر القضاء على تهريب المخدرات والبشر. ومن جهة أخرى، يرى الجمهوريون أن إحياء القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية أمر بالغ الأهمية، مع ضمان أن تكون المعدات الدفاعية الأساسية مصنوعة محليًا. كما سيعملون على حماية البنية التحتية الحيوية لأمريكا من التهديدات السيبرانية، مع تعزيز معايير الأمن الوطني لحماية الشبكات الأساسية ضد أي هجمات قد تهدد الأمن القومي.
ثانيا- نتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية.. نتائج ومؤشرات:
أظهرت التقارير المختلفة احتدام المنافسة بين كلا من دونالد ترامب وكاملا هاريس، الى حد ان تقارير الرأي العام واستطلاعات الرأي كادت تكون متطابقة بينهم، فكان الاختلاف يمثل اعشار مئات فقط، مع وضع أفضل لصالح كامالا هاريس. فطبقا لشبكة "بي بي سي" في اخر تقرير لها الصادر قبل غلق باب الانتخابات بيوم، كانت النتائج في صالح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس بنسبة 48%, بينما كانت نسبة المرشح الجمهوري دونالد ترامب 47% فقط. في حين أظهرت شبكة "سي إن إن"[3] في استطلاعات رأيها إن نائب الرئيس كامالا هاريس تتقدم بفارق ضئيل على الرئيس السابق دونالد ترامب بين الناخبين المحتملين على المستوى الوطني، بنسبة 51% مقابل 47%. في حين أظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته شبكة "إي بي سي" وجريدة "واشنطن بوست" مع معهد "إبسوس" تقدمت كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي على منافسها الجمهوري دونالد ترامب بنسبة 49% مقابل 45 % بين الناخبين المسجلين.[4]
1- الولايات المتأرجحة..كلمة الفصل في نتائج الانتخابات الأميركية:
هكذا كان الاحتدام والمنافسة بين كلا من المرشحين الرئاسيين، فجميع المراكز وشبكات الاعلام المنفذة لاستطلاعات الرأي داخل المجتمع الأمريكي وجدت صعوبة في تأييد مرشح بعينه نتيجة النسب المتقاربة بينهم ونتيجة صعوبة تحديد اتجاه الانتخابات في بعض الولايات الامريكية والتي يطلق عليها " الولايات المتأرجحة" وهو مصطلح سياسي يطلق في الولايات المتحدة الأمريكية على الولايات الأمريكية التي لا تحتوي على أغلبية سياسية جمهورية أو ديموقراطية، الأمر الذي يجعل مواقفها مُتغيّرة من دورة انتخابية إلى أخرى. لذلك تتجه أنظار الحملات الانتخابية إلى تلك الولايات لمحاولة استمالتها والفوز بأصوات ناخبيها في الانتخابات وتلك الولايات هم نيفادا وعدد مقاعدها 6 مقاعد، ايزونا 11 مقعد، فلوريدا 30 مقعد، جورجيا 16 مقعد، كارولينا الشمالية 16 مقعد، وكارولينا الجنوبية 9 مقاعد، بنسلفانيا 19 مقعد ومتشجن 15 مقعد وويسكنسن 10 مقاعد.
فطبقا للحملات الانتخابية للمرشحين، يتم تقسيم الولايات الخمسين للولايات المتحدة الأمريكية لفئات وهم الفئة الأولى "الولايات الحمراء" وهي ولايات ذات توجه جمهوري بالأساس والفئة الثانية هي "الولايات الزرقاء" وهي ذات التوجه الديمقراطي في معظم، في حين ينصب جهود الحملات الانتخابية على اكتساب الولايات المتأرجحة في صفها وهي ما تعرف بمناطق "battleground states" السابق ذكرهم.
من خلال تحليل نتائج الانتخابات بكل ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية يمكن ملاحظة أن غالبية الولايات المتأرجحة كانت من نصيب المرشح دونالد ترامب فمن أصل 9 ولايات متأرجحة فاز دونالد ترامب بغالبية الأصوات في ست ولايات وفي الولايات الأخرى كانت له النسبة الأكبر من التصويت مقارنة بالتصويت للديمقراطيين.
2- تحولات جديدة في خريطة الولاءات.. الولايات الزرقاء والحمراء تغيّر ميولها الانتخابية:
التغيير في ميول وانتماءات بعض الولايات سواء كانت الزرقاء الديموقراطية او الحمراء الجمهورية، فطبقا للانتخابات الرئاسية الامريكية منذ عام 2002 مرورا بعام 2008 و2012 و2016. تم ترسيخ مفهوم الولايات الحمراء او الولايات الزرقاء، وهو ما تغير بدرجة كبيرة في الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الامريكية عام 2024.
فبعد مقارنة خريطة انتخابات الولايات المتحدة لعام 2024, مع الصورة التقليدية لانتماءات الولايات التي ترسخت بعد الانتخابات السابقة خلال العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين نجد تغير طفيف في ولاءات بعض الولايات، ولكنه مازال متواجد مثل ولاية الاسكا التي تحولت من ولاية حمراء جمهورية الى ولاية يغلب عليها الطابع الجمهوري فاستطاع دونالد ترامب الحصول على أغلبية التصويت بها. ولاية نيفادا الزرقاء الديمقراطية فاز بها التوجه الجمهوري. وولاية ويسكنسن ومتشجن وبنسلفانيا التي كان يغلب عليها الميل نحو الاتجاه الديمقراطي رغم كونهم ولايات متأرجحة أيدت الاتجاه الجمهوري. في حين زاد الولاء الجمهوري في ولايتي جورجيا وكارولينا الشمالية فبعد كونهم ولايات مائلة للتوجه الجمهوري اثبتت نتائج الانتخابات كونهم ولايات جمهورية في جوهرها.
3- التركيبة الديمغرافية للولايات المتحدة وأبرز القضايا المحورية[5]:
التمييز بين الجنسين وقضايا حقوق المرأة في الإجهاض:
رغم مواجهة دونالد ترامب للعديد من الاتهامات المتعلقة بسوء السلوك الجنسي والتحيز ضد النساء، إلا أنه لا يزال يحظى بدعم واسع بين الناخبين الأمريكيين. في انتخابات 2024، صوت له أكثر من 70 مليون شخص، بما في ذلك نحو 44% من النساء، رغم الجدل حول تصريحاته ومواقفه بشأن حقوق المرأة. شملت خطابات ترامب بعض التصريحات المثيرة للجدل تجاه النساء، ومنها تصريحه الأخير بأنه "سيحمي" النساء "سواء أعجبهن ذلك أم لا." ومع ذلك، اختار العديد من الناخبين – رجالاً ونساءً – ترامب، مما يعكس تعقيدات أوسع في السلوك الانتخابي في الولايات المتحدة.
كما شهدت الانتخابات موقفاً متبايناً للناخبين بشأن حقوق الإنجاب. فرغم أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس لم تحصل على دعم واسع من النساء كما كان متوقعاً، إلا أن الاستفتاءات في عشر ولايات قدمت نتائج مختلطة حول الإجهاض. في سبع من هذه الولايات، تم توسيع أو حماية حقوق الإجهاض؛ ففي ولاية ميزوري، رفض الناخبون حظراً شبه كامل على الإجهاض، مما منح الحق الدستوري للإجراء دون قيود عمرية. أما في نيويورك، فقد تم تعزيز الحماية ضد التمييز المتعلق بالرعاية الصحية الإنجابية، رغم أن القانون لم يذكر الإجهاض بشكل محدد. أما في فلوريدا، فقد فشل استفتاء كان يهدف إلى توسيع نطاق الوصول إلى الإجهاض حتى 24 أسبوعاً، رغم حصوله على أغلبية 57%، لكنه لم يصل إلى نسبة 60% المطلوبة. وقاد الحملة المعارضة للتعديل حاكم الولاية الجمهوري رون ديسانتيس، مع دعم مالي ضخم بلغ 100 مليون دولار، مما يعكس الطبيعة المتنازعة لحقوق الإنجاب في فلوريدا وجنوب شرق الولايات المتحدة بشكل عام.
تؤكد انتخابات 2024 أن النساء لا يعتمدن في قراراتهن الانتخابية على قضايا النوع الاجتماعي فقط، بل تتأثر أصواتهن بمجموعة متنوعة من العوامل. تواجه العديد من النساء ضغوطاً اقتصادية تفاقمت بسبب التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، وكان للمصالح الطبقية دور في اختياراتهن. فغالباً ما تتحمل النساء مسؤولية إدارة ميزانيات الأسر، مما يجعلهن يتأثرن بشكل خاص بالسياسات الاقتصادية، إلى جانب قضايا مثل حقوق الإنجاب.
التنوع العرقي وقضايا الهجرة غير النظامية:
تغيرت الآراء حول الهجرة في السنوات الأخيرة. فقد انخفض الدعم للسماح للمهاجرين غير الشرعيين بالبقاء بشكل قانوني من 74% في 2020 إلى 59% في 2024. أصبح الناخبون الجمهوريون الآن أكثر معارضة للسماح لهم بالبقاء قانونيًا (66%)، وهي زيادة كبيرة مقارنة بالأعوام السابقة. في المقابل، زاد معارضو الهجرة بين الناخبين الديمقراطيين قليلاً من 9% في 2020 إلى 16% في 2024. داخل قاعدة دعم ترامب، يُظهر الناخبون اللاتينيون دعمًا أكبر من الناخبين البيض للسماح للمهاجرين غير الشرعيين بالبقاء بشكل قانوني، حيث يدعم 46% من مؤيدي ترامب اللاتينيين فكرة أن انفتاح أمريكا على المهاجرين أمر أساسي للهوية الوطنية، مقارنة بـ 32% من مؤيدي ترامب البيض. كما أن مؤيدي ترامب من فئة الشباب (من 18 إلى 34 عامًا) أكثر دعمًا للهجرة، حيث يرى 51% منهم أن المهاجرين غير الشرعيين يجب أن يحصلوا على وضع قانوني. وتختلف درجة راحة مؤيدي ترامب من سماع لغات غير الإنجليزية في مجتمعاتهم بناءً على العرق والعمر. حيث يشعر 74% من مؤيدي ترامب اللاتينيين بالراحة عند سماع لغات أخرى غير الإنجليزية، مقارنة بـ 48% من مؤيدي ترامب البيض. كما أن مؤيدي ترامب الأصغر سنًا (دون 50 عامًا) أكثر راحة من كبار السن في سماع لغات غير الإنجليزية، حيث بلغ معدل الراحة 69% في مقابل 43% لدى من هم فوق 50 عامًا.
من حيث القضايا التي تشغل الناخبين اللاتينيين، تبين أن الاقتصاد يأتي على رأس الأولويات (85%)، تليه الرعاية الصحية (71%)، ثم القضايا المتعلقة بالجريمة العنيفة والسياسات المتعلقة بالأسلحة (62%). كما يولي الناخبون اللاتينيون الذين يساندون ترامب أهمية أكبر لقضايا مثل الاقتصاد والجريمة العنيفة والهجرة، بينما يعتبر دعم هاريس مدفوعًا بشكل رئيسي بالاقتصاد والرعاية الصحية.
القيم الدينية والأخلاقية:
يتبنى مؤيدو ترامب توجهًا قويًا فيما يتعلق بتأثير الكتاب المقدس على القوانين الأمريكية. حيث يعتقد 69% من مؤيدي ترامب أن الكتاب المقدس يجب أن يكون له تأثير على القوانين الأمريكية، بما في ذلك 36% يرون أن تأثيره يجب أن يكون "كبيرًا جدًا". هذا الموقف يتناقض بشكل حاد مع آراء مؤيدي كاملا هاريس، الذين يعتقد معظمهم أن الكتاب المقدس لا ينبغي أن يكون له تأثير على القوانين.
تتباين آراء مؤيدي ترامب حسب انتمائهم الديني، حيث يرى 61% من الإنجيليين البيض المؤيدين له أن الحكومة يجب أن تدعم القيم الدينية. بينما يتفق 39% فقط من البروتستانت البيض غير الإنجيليين والكاثوليك الذين يدعمون ترامب على هذا الرأي. كما أن الأقلية من مؤيدي ترامب الذين لا ينتمون لأي ديانة يرون أن الحكومة يجب أن تدعم القيم الدينية (16%).
يؤيد 34% من مؤيدي ترامب فكرة أن الحكومة يجب أن تروج للقيم المسيحية، بينما يرى 22% منهم أن الحكومة يجب أن تعلن المسيحية دينًا رسميًا للولايات المتحدة. وهذا يعكس رغبة شريحة من مؤيدي ترامب في دمج القيم الدينية بشكل أكبر في السياسة الأمريكية، بما يتماشى مع معتقداتهم الدينية. كما أظهرت استطلاعات الرأي أن 45% من مؤيدي ترامب يعتبرون أن الإيمان بالله ضروري للأخلاق الجيدة، وهذه النسبة أكبر بشكل ملحوظ بين الإنجيليين البيض، حيث يرى 59% منهم أن الإيمان بالله هو الأساس للأخلاق.
تأثير نتائج برامج الحزب الجمهوري على السياسات الأمريكية:
تلك النقاط العشرون هي دلالة على توجهات الحزب الجمهوري، ويمكن الاستناد إليها مستقبلا لتفسير السياسات الأمريكية سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي وعلاقتها الدولية بالمجتمع الدولي. ويمكن ملاحظة إن أغلب تلك التوجهات يغلب عليها الطابع الداخلي، في حين تأتي بعض النقاط التي يغلب عليها الطابعين معا مثل النقطة رقم 1 و2 و8 و12 و18. حيث إن النقطة والأولى والثانية تختص بمكافحة الهجرة غير النظامية التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية من الجنوب مع حدودها مع المكسيك وتلك النقطة محورية في برنامج عمل الجمهوريين ظهرت بوادرها بعد انتخابات 2016, حيث تم البدء في مشروع بناء السور العظيم الفاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك المعروف بجدار ترامب الذي أدى الخلاف حول تمويل الجدار الحدودي الذي تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببنائه على الحدود مع المكسيك إلى أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة. حيث طالب ترامب بتمويل قدره 5.7 مليار دولار لمواجهة ما أسماه أزمة إنسانية وأمنية على الحدود الجنوبية، محذرًا من أن الإغلاق الحكومي قد يستمر حتى يحصل على التمويل المطلوب. من جهة أخرى، اعتبر الديمقراطيون الجدار إهدارًا لأموال دافعي الضرائب، متهمين إدارة ترامب بالحديث عن أزمة مفتعلة.[6]
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن إلغاء حالة الطوارئ الوطنية التي كان قد فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب لتمويل بناء الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك. وفي رسالة إلى الكونغرس، وصف بايدن إعلان الطوارئ بأنه غير مبرر، وأكد أن أي أموال ضريبية لن تُخصص للجدار مستقبلاً. أوضح بايدن أيضًا أنه يسعى لمراجعة جميع الموارد المخصصة أو المعاد توجيهها لبناء الجدار، في خطوة تهدف إلى تقييم الاستخدام الأمثل للأموال. وقد واجه مشروع بناء الجدار معارضة قوية من الديمقراطيين في الكونجرس، ما دفع ترامب إلى اللجوء لصلاحيات الطوارئ لتمويل المشروع الذي كان أحد الوعود الأساسية في حملته الانتخابية لعام 2016.[7]
في حين مثلت النقطة الثامنة من برنامج عمل الحزب الجمهوري العمل على منع اندلاع حرب عالمية ثالثة وإعادة السلام لأوروبا والشرق الأوسط، يأتي ذلك الهدف في ظل تأجج الصراع في الشرق الأوسط بين إسرائيل وحركات المقاومة في غزة ولبنان بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام. وفي ظل تجمد الوضع منذ عام 2022 منذ بداية اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا وعدم تأثر روسيا بالعقوبات المفروضة عليها من المجتمع الدولي. وتأتي النقطة الثانية عشر مكملة للنقطة الثامنة وهي تحديث وتطوير الجيش ليبقى الأقوى في العالم، في إطار سباق التسلح التقليدي بين أقطاب العالم سواء الولايات المتحدة الأمريكية، أو الصين، أو روسيا، أو أوروبا. ولكن فيما يخص الشرق الأوسط تأتي النقطة رقم 18 ومضمونها هو ترحيل المتطرفين المؤيدين لحماس وجعل حرم جامعاتنا آمناً ووطنياً مرة أخرى، وذلك لا ينبأ بأخبار سعيدة تمام للمقاومة في الشرق الأوسط، فمع إعلان ترامب إنهاء الحرب في أوكرانيا وتهدئة الوضع في الشرق الأوسط،[8] وفي التوقيت نفسه إعلانه عن ترحيل المتطرفين المؤيدين لحماس وجعل حرم جامعاتنا آمناً ووطنياً مرة أخرى هو دلالة عن اتجاه السياسات الأمريكية مستقبلا في ملف إدارة الشرق الأوسط.
ختاما:
تشير نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 إلى تحول محتمل في مسار السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية تحت قيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب. فوز ترامب، الذي حقق انتصارًا في المجمع الانتخابي وفوزًا بالأصوات الشعبية معا بالإضافة لهيمنة الحزب الجمهوري على كلا من مجلس النواب[9] ومجلس الشيوخ[10]، قد يعكس استمرارية بعض السياسات التي اعتمدها في ولايته السابقة، مثل التركيز على القضايا الاقتصادية المحلية مثل التضخم والهجرة، إلى جانب تعزيز الحوكمة الوطنية والحد من التدخلات الخارجية. ولكن في الوقت نفسه، من المحتمل أن يواجه ترامب تحديات جديدة في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية العالمية المتغيرة، والتي قد تدفعه لتعديل استراتيجيته.
من ناحية السياسة الخارجية، قد يشهد العالم عودة لسياسات أكثر تحفظًا أو حتى انغلاقًا تجاه القضايا الدولية مثل التجارة والاتفاقات المناخية، مما سيؤثر على العلاقات بين الولايات المتحدة ودول أخرى. في المقابل، سيكون من المهم متابعة ما إذا كان ترامب سيعيد النظر في التوجهات السابقة أو سيعزز سياسات أمريكا أولاً; التي قد تُحدث تصدعات إضافية في التحالفات العالمية. على الصعيد الداخلي، قد تنبثق تحديات جديدة تتعلق بالاستقطاب السياسي والاقتصادي، إذ سيكون هناك تركيز على معالجة القضايا الاجتماعية التي أثارت جدلاً واسعًا، مثل الحقوق المدنية، والرعاية الصحية، والتعليم. ومع ذلك، تظل الأسئلة المطروحة حول ما إذا كانت الأمور ستتغير بشكل كبير مقارنةً بفترة حكمه السابقة أم لا، وهذا يعتمد على قدرة ترامب على استيعاب التحولات المستمرة داخل المجتمع الأمريكي والمجتمع الدولي.
المراجع:
[7]BBC News. 2021. “President Biden Cancels Funding for Trump Border Wall,” February 11, 2021, sec. US & Canada. https://www.bbc.com/news/world-us-canada-56031481.
[8] ترامب سأعمل على إنهاء حرب أوكرانيا وتهدئة صراع الشرق الأوسط، موقع العربية، 13أكتوبر 2024. https://ara.tv/z8q62
رابط دائم: