ما بعد «داعش».. مرحلة آلام جديدة
24-7-2016


*
يتوحد العالم أجمع شرقه وغربه، شماله وجنوبه - في هذا الوقت، بالقتال ضد «داعش»، والجميع مصمم على القضاء عليه بشكل كامل. وقد تم تحقيق نجاحات كبرى ضده على جبهة العراق وسوريا، وربما لن يطول الوقت حتى يختفي من هاتين الدولتين، لكن زوال «داعش» لن يكون خاتمة الأحزان، بل ربما يكون بداية لآلام أخرى من نوع جديد، فالتنظيم أقام دولة التطرف بكل مقوماتها، وشكل جيشاً من الإرهابيين الحاقدين على الإنسانية اسمه «دابغ»، وضمن هذا الجيش هناك ما يسمى «أشبال الخلافة»، وهم أطفال دون سن الرشد يتم إجبارهم على الانضمام لهذا الجيش للقتال والموت في سبيل ما يسمى إنشاء «دولة الخلافة».
 
أقام «داعش» في العراق وسوريا مراكز لتدريب هؤلاء الصغار، منها ما يسمى «معهد عبد الله بن عمر» في قضاء تلعفر، الذي يحاكي الأكاديميات العسكرية، كونه يمزج بين الدروس النظرية الدينية، والتدريبات العملية على السلاح والقتال. وتتراوح مدة الدورات بين شهر إلى شهرين. ويتم التركيز في هذا المعهد وغيره من معاهد «داعش» العديدة، على العقيدة السلفية التكفيرية، وأبرزها: مقرر في التوحيد والفقه السلفي وفقه الجهاد، وهي إصدارات خاصة بمعسكرات «داعش». وتجنيد هؤلاء الأطفال لا يتعلق فقط بتعويض الخسائر البشرية على جبهات عدة، فالخطة المعلنة هي تهيئة جيل جديد من المتطرفين يحمل لواء ما يسمى ب» دولة الخلافة» في المستقبل.
 
تقرير حديث نشرته منظمة الأمم المتحدة يكشف أن ما بين 800 و900 طفل قد خطفوا، على أيدي تنظيم «داعش»، من مدينة الموصل العراقية، في سنة 2015 فقط، لتدريبهم دينياً وعسكرياً. وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن الأشهر الستة الأولى من سنة 2015 شهدت قيام 40 طفلاً، ممن ينضوون تحت لواء «جند الخلافة»، بتنفيذ عمليات انتحارية في العراق، فيما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، أن «داعش» أرسل كتيبة مؤلفة من نحو 140 عنصراً من الأطفال المنضمين حديثاً إلى جبهات القتال في سوريا. ووفقاً لدراسة منظمة الأمم المتحدة، يستخدم تنظيم «داعش» منذ سبتمبر/أيلول 2013، مدرسة في حلب كمنشأة تدريب عسكري للفتيان دون 18 عاماً، وأن مخيم الشريعة الخاص باليافعين الواقع بالقرب من مدينة الطبقة في الرقة يدرب نحو 350 طفلاً ما بين 5 إلى16 سنة؛ ليتولوا مهام قتالية. ويقترف «داعش» جناية تجنيد الأطفال تحت مسمى «الجهاد»، ويتحول هؤلاء الأطفال غير القادرين على التمييز بين الحق والباطل، إلى ألغام متحركة من أجل قتل الأبرياء، وهذا ما اتضح عندما أعلنت الكويت عن القبض على امرأة «داعشية» كويتية جلبت هي وابنها من الرقة السورية، بعد أن كان دورها هو تغذية المتطرفين ومنهم الأطفال، بالأفكار الراديكالية. 
 
ورغم خطورة تجنيد هؤلاء الأطفال على مستقبل العراق وسوريا وربما على العالم أجمع، فإن هناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة، وتتمثل بذلك المجتمع الذي شكل حاضنة ل «داعش»، وقدم لهذا التنظيم التسهيلات كافة، لكي يتمدد ويتوسع، فكيف سيتم التعامل مع هؤلاء الذين أعلنوا صراحة أنهم يشكلون جزءاً من ذلك العقل الإرهابي، بل كيف سيعود المغيبون إلى مواطنين صالحين يتقبلون الآخر المختلف معهم في مجتمعاتهم ودولهم؟!
 
القضاء على «داعش» لن يكون سوى البداية، فما بعد «داعش» ربما سيكون أصعب وأخطر، فالجرح الطائفي الذي انفتح في العراق وسوريا على السواء لن يكون من السهل اندماله، خاصة أن الحلول السياسية لن ترقى، بأي حال، إلى الأحداث الخطرة التي تجري في هاتين الدولتين. فالمجتمع الدولي اليوم لا يعترف بوجود مشكلة في العراق مثلاً، بل يقال: إن الولايات المتحدة أنجزت التسوية السياسية هناك، التي أُسست على أساس التقسيم الطائفي، ويتم التركيز الآن على سوريا فقط، رغم تشابه الأحداث إلى حد بعيد بالأحداث الجارية في العراق، ولا أحد يعلم كيف ستكون التسوية في سوريا في ظل تضارب المصالح الإقليمية والدولية، وفي ظل غياب عربي واضح عن مجمل الأحداث في هذا البلد العربي. 
 
إن ظهور التطرف بهذا الشكل الخطر، في العراق وسوريا، يطرح أسئلة حقيقية عن المستقبل في هاتين الدولتين، فمثلاً هل سيعود السلم الأهلي إليهما، وهناك جزء كبير من مجتمعيهما قد لوثته الأفكار الإرهابية المتطرفة، ومزقته المماحكات العرقية، وأيضاً كيف سيتم إنجاز التسويات التي يرضى بها الشعبان العراقي والسوري، وترضى عنها الدول المتصارعة؟ تلك أسئلة ليس لها أجوبة، لكن الشيء الوحيد الواضح أن انتهاء «داعش» لن يكون نهاية الإجرام، فأشباله سيتابعون مسيرة الإرهاب في المستقبل.
 
-------------------------------
نقلا عن دار الخليج، 240-7-2016.

رابط دائم: