تتميز الشعوب الآسيوية بالمثابرة والصبر، ويقول المثل الصيني "لا تنتقم .. اجلس علي حافة النهر وانتظر .. وذات يوم، سوف يجئ التيار حاملا معه جثة عدوك". والحقيقة أن السياسات الآسيوية لا تختلف في كثير من الأحيان عن الحكمة الكامنة في هذا المثل.
تنقسم قارة آسيا لعدة نظم إقليمية فرعية، شرق آسيا، وجنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا، بالإضافة إلي روسيا في شمال القارة الآسيوية والأوروبية أيضا(1). وتسعي هذه الدراسة لاستشراف مستقبل المعادلات الأمنية التي يمكن أن يشهدها إقليما جنوب وجنوب شرق آسيا، والعوامل التي تدفع في اتجاه تغييرها، بل واحتمال الدفع باتجاه إعادة تشكيل النظام الدولي، وصياغة العلاقات بين القوي الكبري الفاعلة فيه.
أولا- ترتيبات الأمن في جنوب وجنوب شرق آسيا:
بدأت هذه الترتيبات مع الحرب العالمية الثانية واستقرت بعدها. فمع مهاجمة اليابان لوحدات الأسطول الأمريكي علي ميناء بيرل هاربور، ومهاجمة قواتها الجوية الموجودة في الفلبين عام 1941، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بوضوح أن الأمن الأمريكي لا يبدأ قبالة سواحل كاليفورنيا، بل عند الحافة الغربية للمحيط الهادي وما بعده(2). ومنذ ذلك الحين، والولايات المتحدة هي المسئولة عن الترتيبات الأمنية في آسيا، وإقامة نظام لتوازن القوي بها يهدف إلي عدم انفراد أية دولة في آسيا بالهيمنة فيها، أو امتداد نفوذ أية دولة بما يؤثر سلبا في المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة فيها، والتي يتمثل أهمها في: الأهمية الاقتصادية لهذين الإقليمين كسوق متسعة أمام المنتجات والاستثمارات الأمريكية، ومنع ظهور قوة آسيوية تهدد الأمن الأمريكي، بعد خبرة الحرب العالمية الثانية، وأهمية منطقة الباسيفيك للملاحة العالمية، وتأمين الملاحة الأمريكية في المياه الدولية، والإيمان بالنظرية الاستراتيجية لألفريد ماهان بأن من يسيطر علي المحيطات يسيطر علي العالم، والتي تلتزم بها الولايات المتحدة، فهي صاحبة أكبر قوة بحرية عالميا، وأكثر القواعد العسكرية انتشارا في العالم(3).
رابط دائم: