بعد ثمانية أشهر من توقيع الاتفاق السياسي بين أطراف الحوار الليبي بمنتجع الصخيرات المغربي، في 17 ديسمبر 2015، وأكثر من عامين علي انطلاق عملية الكرامة في بنغازي، في 16 مايو 2014، وكذلك عملية فجر ليبيا في طرابلس في 13 يوليو 2014، لا تزال العملية السياسية متعثرة، فيما يشهد الوضع الأمني تصعيدا عسكريا، لاسيما في بنغازي التي اقترب الحسم العسكري فيها لمصلحة قوات حفتر الذي يستند إلي شرعية الحرب التي تمتع بها طوال العامين الماضيين، ويخشي من أن تخرجه شرعية السلم (الاتفاق السياسي) من المعادلة السياسية.
خلال العامين الأخيرين، عرف المشهد الليبي تحولات عديدة، تجلت في استمرار تغيير التحالفات السياسية والاجتماعية التي لم تتوقف أطراف الأزمة عن عقدها ونقضها، كما لم تسلم الجبهات المتصارعة من التصدعات الداخلية، ولم يظهر قادتها أي قدرة علي ضبطها. وهو ما يمكن ملاحظته من خلال وضع المؤسسات السياسية في طبرق وطرابلس، حيث تبدو كلتاهما غير قادرة علي التماسك خلف مشروع سياسي، أو حتي أذرعها العسكرية، المتمثلة في تحالف الكرامة، وتحالف فجر ليبيا.
في تلك الأثناء، أكدت القوي الكبري تمسكها بدعم مخرجات الاتفاق السياسي الليبي، برعاية الأمم المتحدة، التي أبرزها المجلس الرئاسي، وحكومة الوفاق الوطني، التي يقودها فائز السراج، والتي لا تزال تنتظر نيل الثقة من مجلس النواب في طبرق. وهو ما تجلي بوضوح خلال المؤتمرين الدوليين حول ليبيا في روما (ديسمبر 2015)، وفيينا (مايو 2016) اللذين أقرت خلالهما القوي الدولية الاعتراف بالمجلس الرئاسي، وحكومة الوفاق الوطني حكومة شرعية، وممثلا وحيدا لليبيا. لكن استمرار تضارب المواقف الدولية والإقليمية بشأن الاتفاق كان أحد عوامل شجعت أطرافا متعنتة علي التشبث بموقفها الرافض للاتفاق، في محاولة للضغط علي خصومها من أجل انتزاع مكتسبات تعزز موقفها في العملية السياسية، أو علي الأقل المحافظة علي مكانتها وصلاحياتها، من خلال خلق مبررات تهدف إلي إطالة أمد الأزمة، واستمرار امتلاك أغلب الصلاحيات والنفوذ التي انتقلت إلي حكومة الوفاق الوطني بموجب الاتفاق السياسي.
رابط دائم: