تمر هذه الأيام الذكري المئوية الأولي لاتفاق "سايكس-بيكو" البريطاني - الفرنسي الشهير، والذي عدّه الكثيرون مسئولا عن رسم الخريطة التي لا تزال في مجملها موجودة وسائدة حتي الآن في المنطقة العربية، وتحديدا فيما يعرف بالمشرق العربي، وبشكل أكثر تخصيصا فيما يعرف ببلاد الشام، أو ببلاد الهلال الخصيب، سواء كان إلقاء تلك المسئولية علي الاتفاق المذكور من قبيل توجيه الاتهام للقوي الاستعمارية ولومها لمسئوليتها عما عانته المنطقة العربية من مآس علي مدي ذلك القرن بسبب الحدود التي تم رسمها في الرمال، وفرضها علي أرض الواقع عقب اتفاق "سايكس-بيكو"، أو كان ذلك من قبيل الدفاع عما أفرزه ذلك الاتفاق، في ضوء ما يحيط بالعديد من البلدان العربية اليوم من مخاطر تهدد تلك الحدود، وتنذر بالمزيد من التجزئة والتفكيك لتلك البلدان العربية، بحيث بات مجرد الحفاظ علي الحدود التي نتجت عن الاتفاق المذكور يمثل في حد ذاته ما يدخل ضمن إطار الأمنيات.
ويمكن القول إنه كلما تزداد الأمور تعقيدا علي صعيد الجبهات المشتعلة حاليا داخل العديد من الدول في المنطقة العربية، وفيما يعد حروبا بالوكالة عن أطراف دولية أو إقليمية أخري، أو حتي عندما تدفع أطراف إقليمية، عربية أو غير عربية، أو دولية بتصورات لما تري أنه يجب أن تكون عليه المنطقة في المستقبل، وبما يتضمن في بعض الحالات إعادة رسم بعض الحدود لعدد من الدول، نجد أن الحديث يتطور سريعا إلي تناول ما باتت أطراف ودوائر عديدة تسميه بـ "سايكس-بيكو 2"، مع وجود حالة سائدة من عدم التيقن من جانب مختلف الأطراف المعنية، أو ذات المصلحة، أو الصلة بالمنطقة فيما يتعلق بطبيعة مثل هذا الاتفاق القادم، في حالة ترجمته إلي واقع معيش من الناحية الفعلية، أو فيما يتصل بمضمونه، أو مكوناته، أو أطرافه، سواء المحلية، أو الإقليمية، أو الدولية. إلا أن المؤكد أن مثل هذا الاتفاق، حال حدوثه فعلا، لن يقتصر علي طرفي الاتفاق الأول، أي المملكة المتحدة وفرنسا، أو إن كانتا ستكونان أصلا من أطرافه، بل ستكون أطرافه في أغلب الأحوال أوسع نطاقا، وأكثر عددا. كما أنه طبقا لأكثر التقديرات، فإنه بخلاف اتفاق "سايكس-بيكو" الأول الذي خلا من أي أطراف إقليمية، فإن نظيره الثاني، مرة أخري إذا تحققت النبوءة الخاصة بحدوثه، سوف يتضمن في أغلب الأحوال أطرافا إقليمية، قد لا تكون بالضرورة أطرافا عربية.
رابط دائم: