على الرغم من كل ما يمتلكه الكيان الصهيوني من قدرات عسكرية وتكنولوجية تؤكد تفوقه المطلق النوعي على كل الجيوش العربية، وعلى الرغم من استقرار قناعة، تبدو عامة، مضمونها أنه لم يعد لدى العرب جيش قادر على محاربة «إسرائيل»، أو على الأقل لديه النية والإغراء للتورط في حرب من هذا النوع، وعلى الرغم من وجود مؤشرات حول تراجع وتيرة الانتفاضة الشبابية ضد الكيان (انتفاضة السكاكين)، وهو ما أكده خفوت الاحتفالات الشعبية بذكرى يوم الأرض هذا العام، وبالأخص في مدن الضفة الغربية، وعلى الرغم من انشغالات العرب بصراعات أخرى، غير الصراع مع «إسرائيل».. على الرغم من هذا كله، فإن المجتمع والدولة في هذا الكيان يعيشان الفزع بكل معانيه، وهو الأمر الذي انعكس بوضوح على التباهي بالتجرد من الحد الأدنى من الأخلاقيات.
غياب الحد الأدنى من الأخلاقيات أضحى أمراً قيمياً، أي أضحى قيمة يفاخر بها قادة الكيان سواء من السياسيين أم العسكريين أم رجال الدين والمثقفين والإعلاميين بل والمستوطن العادي، وهو أمر يؤكد أن الرعب بات إحدى أهم سمات هذا الكيان، على نحو ما أكدته أحداث تتراكم يومياً وممارسات تفضح العنصرية بأعلى معانيها، ولعل هذا ما دفع كبار قادة هذا الكيان إلى التصدي للدفاع عن تدني أخلاقيات جيشهم والترويج لمقولة، إنه «لا يوجد جيش أخلاقي» والدفاع عن مقولة أخرى مثل «الحرب والأخلاق لا يسكنان في مكان واحد».
ترويج هذه المقولات جاء بمناسبة الهجوم الذي يتعرض له الآن كل من: وزير الدفاع «موشيه يعلون» ورئيس الأركان «غادي إيزنكوت» من جانب «أفيغدور ليبرلمان» زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» وزير الخارجية السابق و«نفتالي بينيت» زعيم حزب «البيت اليهودي» وغيرهما، بسبب استنكار «يعلون» و«إيزنكوت» للجريمة البشعة التي ارتكبها جندي «إسرائيلي» ضد الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف في تل الرميدة بالخليل، وهو الاستنكار الذي لم يرقَ إلى مستوى الإدانة للجريمة البشعة.
جريمة لا تعرّي جيش الكيان من الأخلاقيات فقط، بقدر ما تكشف عن عمق الفزع الذي يسكن عقل سكان هذا الكيان من حاضر ومستقبل غير آمنين. فالشاب الفلسطيني كان قد أصيب إصابة قاتلة، وسقط على الأرض يصارع الموت، لكن وبينما كان ضابط القوة ««الإسرائيلية»» يقف بحذائه فوق جسد هذا الشاب الذي كان يحتضر، اقترب أحد الجنود وأطلق النار على رأسه بعد مرور 11 دقيقة على وقوع الحادث.
ما الذي دفع هذا الجندي لارتكاب هذه الجريمة ضد جريح يصارع الموت إلا الفزع، ربما يكون هناك ما هو أسوأ من الفزع، على النحو الذي عبر عنه الحاخام الشرقي الأكبر «لإسرائيل» إسحق يوسف ابن الحاخام الشرقي الأكبر الأسبق «عوفاديا يوسف» شديد العنصرية في عدائه للعرب.
فهذا الحاخام كشف - في تعليقه على تلك الجريمة - عن أعتى صور العنصرية المقيتة في التعامل اليهودي مع العرب، لا لشيء إلا لكونهم عرباً. فهذا الحاخام لم يكتف بترديد كلام أبيه في وصف العرب بأنهم مجرد «صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعاً» واعتبرهم «أسوأ من الأفاعي»، ولكنه طالب بطردهم.
وقدم الحاخام الفتوى الشرعية لقتل الفلسطينيين بقوله: «إن أتى أحدهم حاملاً سكيناً فبادر بقتله؛ إن قتله فريضة»، وهو يربط بين العنصرية والفزع معاً بقوله: «بادر بقتل من يأتي لقتلك، لا ينبغي الخوف من شئ لاحق.. أن يصلوا بك لاحقاً إلى المحكمة العليا، أو أن يأتي رئيس أركان ويقول كلاماً آخر.. هذا أيضاً يردعهم، لحظة أن يعلم (المخرب) أنه إذا جاء مع سكين فلن يعود حياً، هذا أمر يردعهم، لذلك قتله فريضة».
الرعب من شاب مصاب والتورط في قتله، لم يكن الشكل الوحيد للتعبير عن الفزع والعنصرية، لكن أشكال ممارسات الفزع والعنصرية باتت السمة العامة للكيان، التي كان آخرها إقرار القانون المسمى بقانون «التعليق» الذي بموجبه سيتم إبعاد عضو الكنيست طوال فترة ولايته، وهو القانون الذي يعتبر موجهاً بشكل أساسي ضد أعضاء الكنيست العرب، في محاولة من حكومة نتنياهو لإسكات الصوت العربي داخل الكنيست (البرلمان).
---------------------------------
* نقلا دار الخليج، 17-4-2016.
رابط دائم: