أُعطيت أسباب عديدة لتفسير التدهو الحاد في أسعار النفط منذ يوليو في عام 2014، من بينها تخمة في السوق، وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، والاتحاد الأوروبي، إلي جانب تواطؤ سياسي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لإيذاء اقتصادي إيران وروسيا.
وهناك أيضا عامل آخر ألا وهو "البترو دولار" (Petrodollar) الذي يشدد قبضته علي سوق النفط العالمية والأسعار منذ عام .1973ولكن مهما تتعدد الأسباب، فإن سياسات أربعة لاعبين رئيسيين في سوق النفط العالمية وقراراتهم كان لها الدور الحاسم في فوضي الأسعار الحالية. تحاول هذه الورقة تحليل مواقف هؤلاء اللاعبين، وهم السعودية، وروسيا، والولايات المتحدة، والصين، من أزمة تدهور أسعار النفط الحالية، وبيان تداعيات سياساتهم علي سوق النفط الآن، وفي الأمد المنظور.
أولا- المملكة العربية السعودية:
كان للمملكة العربية السعودية الدور الرئيسي في انهيار أسعار النفط لرفضها خفض إنتاجها، وكذلك ضغطها علي منظمة "أوبك" لعدم خفض الإنتاج. بل إن الاتفاق الجزئي لتجميد إنتاج النفط عند مستويات شهر يناير 2016، الذي تم بتوافق سعودي-روسي، في العاصمة القطرية الدوحة، في 16 فبراير 2016، لم يرق إلي الاتفاق علي تخفيض مستويات الإنتاج الحالية التي تمثل بالفعل فائضا عن احتياجات السوق الفعلية. ويمكن القول إن السعودية تمكنت من خلق هذه الفوضي القائمة في سوق النفط العالمية، وجعلت من أسعار النفط رهينة لها. وألحقت السعودية بسلوكها هذا أضرارا بالغة لا يمكن تقديرها بالاقتصاد العالمي، وباقتصادها، وعملتها كذلك.
أقدمت السعودية علي مغامرة ضخمة بإغراقها السوق العالمية بالنفط بحجة الدفاع عن حصتها في هذه السوق، وزيادتها علي حساب منتجين، مثل روسيا وإيران والعراق، وبحجة إبطاء نمو النفط الصخري الأمريكي، إن لم يكن إيقافه كليا. وكانت جربت مثل هذه السياسة في ثمانينيات القرن العشرين أيام وزير النفط السعودي الأسبق، الشيخ أحمد زكي اليماني، وأثبتت فشلها.
وخسرت أسعار النفط إثر ذلك نحو 75 من قيمتها بين يوليو 2014، حين بلغ متوسط الأسعار نحو 107 دولارات، ويناير 2016، حين انخفض سعر برميل النفط إلي نحو 27.7 دولار. وقبل الارتداد التصحيحي المحدود إثر ذلك، ذهبت توقعات عدد من كبري البنوك العالمية إلي احتمال انحدار الأسعار إلي ما دون 25 دولارا للبرميل الواحد، حال استمر غياب أي خفض في الإنتاج من جانب "أوبك".
رابط دائم: