خاص بموقع السياسة الدولية 14-3-2016
تواجه الجزائر تحديات وتهديدات مختلفة كونها تتوسط دول المغرب العربي، وهي محط أنظار القوى العظمى؛ مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعود اهتمامها بدول المغرب العربي عامة والجزائر خاصة، إلى تكاملها في الجانب الأمني مع مصادر الإرهاب من خلال مبادرة الصحراء، وإنشاء قيادة أمريكية لإفريقيا من أجل التعامل الميداني لمواجهة تهديد الإرهاب في غرب إفريقيا وحماية مصالحها في الساحل الإفريقي. ويمكن تصنيف التهديدات الأمنية التي تواجه الأمن القومي الجزائري إلى تهديدات داخلية وآخرى خارجية، فالداخلية تتمثل في غياب النظام الديمقراطي الفعال على أساس التداول على السلطة وترسيخ المؤسسات السياسية الفاعلة وغياب الحكم الرشيد للنشاط الاقتصادي؛ وارتفاع نسبة الفقر، وغياب تشجيع التنمية؛ والبحث العلمي. أما التحديات الخارجية فتعني أن الجزائر محاطة بمجموعة من التهديدات خاصة عند عودة الولايات المتحدة الأمريكية لنشر النموذج الرأسمالي بطرق عصرية.
التحديات الأمنية:
يتمثل التحدي الأمني الذي يواجه الأمن القومي الجزائري في ضرورة مواجهة الفوضى الأمنية المتمثلة في تهريب الأسلحة من ليبيا إلى مالي والنيجر، واستعماله من طرف الحركات المتطرفة في مالي، جماعة الأزواد المحسوبة على قبائل الطوارق في الشمال التي رفعت السلاح في وجه النظام وطالبت الانفصال في الشمال . ويمكن حصر التحديات التي تواجه الأمن القومي الجزائري، فيمايلي:
1- التحديات القيمية، حيث ظهر الاهتمام بها منذ وصول الإسلاميين إلى الحكم في الجزائر، كحركة مجتمع السلم، والتي قررت التخلي فيما بعد عن التحالف الرئاسي والعودة إلى المعارضة؛ فأسست تحالفا مع أحزاب إسلامية كحركة النهضة والإصلاح تحت مسمى " التحالف الأخضر " للحصول على الأغلبية في تشريعات مايو 2012. ومن بين عوامل نجاحها والوصول الى سدة الحكم، هو الاعتماد من خلال برامجها على الهوية وكيفية الحفاظ عليها ودفع التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
2- التحديات الاقتصادية والاجتماعية، حيث مثل غياب العدالة في توزيع الموارد بين الفئات الاجتماعية، وتدهور اقتصاد الجزائر خاصة في الفترة الحالية بفعل انهيار أسعار النفط وكونه يعتمد فقط على الريع النفطي أهم التحديات الاقتصادية التي تواجه الجزائر، وبالتالي فاستقراره محكوم على أسعاره، وهو ما انعكس على الأوضاع الاجتماعية الحالية من غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الموارد الاستهلاكية.
المقاربة الجزائرية لمواجهة تحدياتها:
وصفت الدبلوماسية الجزائرية بالقلب النابض للدولة، وما يضفي مصداقية على دور الجزائر الدبلوماسي هو انتماءها لكل البناءات العضوية الجهوية ( اتحاد المغرب العربي- الجامعةالعربية- منظمة المؤتمر الإسلامي) وكذلك المنظمات البرلمانية والوظيفية العالمية والأمم المتحدة ووكالاتها، وكذلك مشاركتها في كل الحوادث عبر الجهوية: إفريقيا، الصين، العالم العربي، أمريكا اللاتينية أوروبا. وتمثلت تحركات الجزائر في مواجهة تحديات الإرهاب منذ العشرية الحمراء فيمايلي:
1. دعت الجزائر على مدار أكثر من 15 سنة إلى ضرورة بناء معاهدة دولية شاملة لمكافحة ظاهرة الإرهاب، وتكون قائمة على تعريف يفرق فعلا بين المقاومة والإرهاب، وبعد أحداث ديسمبر 2011 أعطت الولايات المتحدة الأمريكية ثقة أكبر لهذا الاقتراح من خلال تثمين التجربة الجزائرية دوليا، بعد أن تمكنت خلال سنة 1999 من بناء تصور جوهري لمكافحة ظاهرة الإرهاب بعد تتبني الاتفاقية الإفريقية للدراسات والبحوث حول الإرهاب الذي يوجد مقره بالجزائر والذي دشن في أكتوبر 2004، ويضم خبراء عسكريين يقومون بالبحث في مناطق تحرك الجماعات الإرهابية وكيفية معالجتها.
2. تبنت الجزائر سياسة وقائية عالجت من خلالها مشكلة الأزواد وذلك انطلاقا من مبدأ حسن الجوار، وترى أن المشاكل المطروحة في إفريقيا لابد من معالجتها في إطار التحرك الجماعي ضمن المجموعة الإفريقية وهو الحل الأكثر كفاءة والأقوى فعالية ، ويمكن للجزائر أن تستند في فرص انجاح مسار التسوية السياسية في شمال مالي على التعبئة السياسية للمجتمع الدولي مثل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والرادعة لرموز وزعماء الجماعات المسلحة.
3. ساهمت الجزائر من خلال مقاربتها الأمنية في بناء تصورات متوازنة إنسانية في التعامل مع مسائل الهجرة، والهجرة السرية من إفريقيا إلى أوروبا، فالجزائر بدبلوماسيتها النشطة تعمل بمنطق عنوانه المصلحة الوطنية واحترام قواعد القانون الدولي، واحترام المبادئ وإرساء دعائم السلام، فهي تسعى منذ عام 1958 إلى تحقيق عالم أكثر أمانا ومجتمعا دوليا أكثر استقرارا وتنمية، ولقد مثلت الهجومات على مصنع الغاز في 13 يناير 2013 نقطة تحول مهمة بالنسبة للحكومة الجزائرية لأنَه دفعها إلى إعادة تقييم بيئة التهديد في منطقة الصحراء، وقد أظهرت الاضطرابات فيها مدى الصعوبات التي تحملتها الحكومة الجزائرية لتتكيف مع البيئة الجديدة والعلاقات الإقليمية والدولية لصياغة سياسة خارجية أكثر واقعية.
4. عملت الجزائر على وضع استراتيجية التنسيق الدوري مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يسمى بالحرب على الارهاب، حيث أجرى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) روبرت موللر في فيفري 2006 جولة شملت كل من المغرب والجزائر، وتونس للبحث مع كبار المسؤولين عن وسائل تطوير التعامل الأمني الاستخباراتي انطلاقا من كون أن شمال افريقيا يحظى بأهمية متزايدة في الحرب على الارهاب، وزيادة التهديدات الأمنية بسبب بروز حركات التسلح في غرب إفريقيا، ما يجعل منها بؤرة رئيسية لظهور الجماعات الإرهابية. وباعتبار الجزائر لها تجربة المعاناة من الإرهاب، لذا كانت البلد الأكثر استعدادا للانخراط في المخططات الأمريكية في غرب إفريقيا. وبهذا الصدد تحاول واشنطن الاستفادة من خبرة الجزائر في مكافحتها للإرهاب. وهذه الأخيرة تحظى دائما بدعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتقدمها على أنَها الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب في إفريقيا ككل.
وقد عرفت المقاربة الجزائرية نجاحا كبيرا بفضل دور الوساطة في النزاع المالي، وسمحت لها بان تلعب دور في تسويته، وأن تكون عامل تهدئة وتوحيد وتفاهم بين جميع الأطراف. والجدير بالذكر أن التحرك الليبي في منطقة شمال مالي جاء مغايرا للتحرك الجزائري الذي تحكمه النظرة الأمنية من التخوف أو امتداد الأزمة إلى جنوبها لأنَه منبثق من التهديدات على الصعيد الأمني والاستراتيجي من التمدد الغربي والأمريكي في المنطقة خصوصا بعدما كانت علاقات ليبيا تشهد بعض التوتر. وبالرغم من كل محاولات تضييق الطرف الليبي على الوساطة الجزائرية في مالي، الا أنه تم التوقيع على اتفاق السلام والمصالحة يوم 15 مايو 2015 في العاصمة المالية باماكو بين جميع الأطراف المتنازعة.
في النهاية يمكن القول إن الجزائر وبحكم موقعها الجيواستراتيجي الهام، فهي تعتبر منطقة عبور إلى أوروبا وتحظى بمكانة هامة جدا من قبل القوى الكبرى، ونظرا لهشاشة المؤسسات وضعف فعالية النظام السياسي فيها وفي منطقة غرب إفريقيا ككل، فهي تخضع لعدة تهديدات متنامية. وعلى اعتبار أنَ من ثوابت السياسة الخارجية الجزائرية الاعتماد على الطرق السلمية في حل النزاعات وبحكم أن معظم الدول التي تعاني اختلالات هي دول مجاورة لها، هذا الأمر سمح لها بأن تلعب دورا في تسوية حل تلك النزاعات. وأن تكون هي عامل التهدئة والوحدة بين جميع الأطراف المتنازعة وهذا انطلاقا مما تمليه عقيدتها البراغماتية في سياستها الخارجية، وحفاظا على أمنها القومي اعتمدت على عدة استراتيجيات وكللت المقاربة الجزائرية بترحيب إقليمي ودولي على أنها الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب في إفريقيا. وفي ليبيا هناك ترحيب من طرف الليبيين بضرورة الاعتماد على المقاربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب، ويعتبر المختصون الجزائريون في المجال الأمني أنَ أهم عنصر للاستقرار الليبي هو منح الثقة لكل الليبيين للجلوس على طاولة المفاوضات وضرورة الاستفادة من النموذج الجزائري في مجال مكافحة الإرهاب.