التحول النوعي الثالث في فكر «الإخوان» 10-2-2016 عاطف الغمري * المؤتمر الذي وضعنا له في المجلس المصري عنواناً، هو «مصر وتحديات الإرهاب»، عقد على امتداد خمس جلسات، شارك فيها عشرون من كبار الخبراء والمختصين، في قضايا الإرهاب والأمن القومي. وأدار اللجان السفراء: عبدالرؤوف الريدي، ومنير زهران، ومصطفى الفقي، وأيضاً اللواء مراد موافي، والدكتور ضياء رشوان، والدكتور علي الدين هلال. وبالرغم من تنوع زوايا النظر إلى موضوع الإرهاب، فإنني اخترت أن أركز في هذا المقال على زاوية بعينها، ربما لأنها ترتبط بحاضر السلوك الإخواني، في فترة العامين الماضيين، خاصة أن هذه الزاوية، ربما تجيب عن السؤال القائل: هل مازال «الإخوان» هم نفس التنظيم، الذي قام منذ عشرات السنين، من حيث منطلقه الفكري، بصرف النظر عن ممارساته لعمليات الاغتيال السياسية، والارتباط بأجهزة مخابرات أجنبية، والتصاقه عقلياً بعقيدة التمكين من الدولة، ليطبق فيها مفاهيمه، وطموحات قادته، ومكتب إرشاده. ولعل الدكتور ضياء رشوان مدير مركز الدراسات السياسية بالأهرام، قد عرض لدراسة تفصيلية، قد تجيب عن هذا السؤال، هذه الزاوية رصدت حدوث تحول نوعي في طبيعة وتركيبة تنظيم «الإخوان»، من بعد ما جرى من فوق منصة رابعة عام 2013، والتي اختلطت من فوقها، أصوات خطابية وتحريضية، من مختلف الجماعات التكفيرية، والإرهابية، وليس من «الإخوان» وحدهم، فجميعهم راحوا ينطقون بنفس اللغة، وبنفس المطالب والدعوات، وبدا وكأنهم جميعاً قد احتوتهم بوتقة انصهار واحدة، راحوا يمتزجون فيها ببعضهم، ويؤكدون على مسلسل العنف، ودعاوى التكفير، وأظهر ما كان يدور من فوق منصة رابعة، مدى التطور النوعي في فكر الإخوان، الذين اقتربوا كثيراً من عقائد من شاركوهم المنصة، ونزوعاً نحو أشد درجات التطرف. ولهذا انتقلت الحركة «الإخوانية» إلى ما يمكن أن يُعرف بالموجة الثالثة، والتي كانت موجتها الأولى قد بدأت مع أفكار حسن البنا، وأعقبتها الموجة الثانية كتابات ودعوات سيد قطب، وتبني تيار لها من بنية مكتب الإرشاد الذي كان يترأسه محمد بديع، وجاءت الموجة الثالثة من بعد فض اعتصام رابعة، والتي احتوت منصتها عناصر تكفيرية من خارج «الإخوان»، وعناصر أجنبية، نشط بعضها في سيناء، وظهور تلاقٍ فكري وتنظيمي بين «الإخوان»، والمنظمات الإرهابية الأخرى، من القاعدة إلى «داعش». وتفرعت عن هذه الموجة الثالثة، مسميات عديدة لجماعات صغيرة، في محاولة للتمويه، والخداع، وتشتيت نظرة الدولة، بعيداً عن التركيز على التنظيم «الإخواني» الأم، وإن كانت كلها، كما اتضح من بيانات أو تصريحات أفرادها وعملياتهم، أنهم كلهم عبارة عن خلايا «إخوانية». ومن الواضح أن هذا التلاقي الفكري بين «الإخوان» والمنظمات الإرهابية الأخرى، خاصة من ينتمون إلى «القاعدة» و«داعش»، وغيرهما، يظهر في أنهم يمارسون عملياتهم تحت شعار وأهداف واحدة، هي هدم الدولة، وتفتيت المجتمع، وتكفيره، أو ما يتصورونه عن فكرة إقامة دولة الخلافة في عصر ثورة المعلومات، وقواعد الاعتماد المتبادل بين الدول وبعضها، بينما الفكر الجوهري لهذه التنظيمات، يخلق قطيعة مع المجتمع الدولي، ويضعه في حساباته عدواً. هذا التقارب قد يمثل ظاهرياً، نقطة قوة لهذه التنظيمات، لكن في الوقت نفسه هو نقطة ضعفها، فهم ليسوا حركة أو جماعة متماسكة، بل إن لكل منها طموحاتها، وبعضها له علاقات خفية ومستترة مع أجهزة مخابرات أجنبية، سواء من خلال تعامل مباشر بينهما، أو عن طريق اختراق هذه المنظمات من عملاء لأجهزة المخابرات. إن الجماعات التي انخرطت في إطار أعمال تتربص بالوطن، وتناصبه العداء، هي أساساً تفتقد عقلانية المعرفة الحقة بالوطن، فهي منقادة إلى أفكار تلوح لها كالأشباح، دون أن تُعمل عقلها، أو حتى تملك قاعدة ثقافية ومعرفية، لإعمال العقل. وكما هو واضح الآن، أن «الإخوان» الذين كانوا يرون أنفسهم يسبحون في مياه وطن يعرفونه، قد ألقوا بأنفسهم في بحر متلاطم الأمواج مع تيارات متنافرة ومتنافسة، ومتصارعة بالضرورة. ولما كانت مكونات الفكر الغامض والمتنافر، هي التي تقيم حبل الترابط بين هذه الجماعات، فإن مواجهة هذه الحالة الإرهابية على شاكلتها هذه، تحتاج أولاً إلى إعادة ترتيب مناهج التعليم، ودور المؤسسات الثقافية، التي تصل إلى أرجاء الدولة بمدنها وقراها، وتلك هي الخطوة الأولى، نحو ردع هذه الأفكار الوافدة، والخارجة عن أصول الدين الإسلامي. ------------------------------------ * نقلا عن نقلا عن دار الخليج، 10-2-2016. رابط دائم: