بعيدة هي الصورة المرسومة لإيران في العالم الآن عن الواقع، بخلاف ما كان عليه الحال حتى سنوات قليلة مضت. ترتبط هذه الصورة اليوم بالاتفاق حول برنامج إيران النووي الذي دخل حيز التنفيذ في 16 يناير الجاري، كما يرتبط هذا الاتفاق بما يمكن أن نسميه أوهام إدارة أوباما. أوهمت هذه الإدارة نفسها بأن «انفتاحاً» على إيران سيغير سياساتها ويجعلها أكثر اعتدالاً ويدعم «التيار الإصلاحي» داخلها. ونقلت، بمساعدة روسيا، هذا الوهم إلى الدول الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومعها ألمانيا، لتوقيع الاتفاق النووي في يوليو الماضي، بعد مفاوضات بدأت في أكتوبر 2013.
وأدى ذلك التحول في السياسة الأميركية إلى تحسين صورة إيران بشكل مجاني. ومع ذلك لم يتحدث أوباما أو أي من أركان إدارته عن نسبة نجاح رهانهم على أن يؤدي تحسين صورتها إلى تحسن في سياساتها، وهل تفوق نسبة فشل هذا الرهان أم العكس، وهو إذ لا يفعل ذلك إنما ينهج نهجاً مقامراً وليس مغامراً فقط، فهناك قواعد للمغامرة في العلاقات الدولية، وخاصة حين تلجأ إليها دول كبرى تحكم سياساتها حسابات وتوازنات. أما حين تنفلت المغامرة من أي قواعد، فهي تصبح أقرب إلى لعبة قمار. وتبدو إدارة أوباما، وقد لعبت هذه اللعبة التي سيحاسبها التاريخ عليها، غير مبالية بالنتائج التي ستترتب عليها اعتقاداً بأن خسائرها لن تلحق بها، بل بالدول والشعوب العربية.
وظهر تأثير هذا التحول في السياسة الأميركية واضحاً خلال الشهور الماضية، إذ بدا أن إيران تتصرف في المنطقة وكأنه لا أصحاب لها، إلى أن أفاق العالم على انتهاك سافر وخطير للقانون الدولي قبل أن يكون اعتداءً همجياً على سفارة السعودية وقنصليتها في طهران ومشهد.
وتمثل هذه الإفاقة فرصة لتحرك عربي مُنظَّم يهدف إلى إعادة التعريف بواقع سياسة إيران ومشروعها للهيمنة على المنطقة، وحرمانها من الفرصة التي أتاحها لها التغير في السياسة الأميركية لكي تظهر أمام العالم بصورة مختلفة عن واقعها.
ومن هنا أهمية الإسراع بتفعيل البند الثالث عشر في القرار الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ في 10 يناير الجاري، والذي ينص على تكليف الأمين العام للجامعة ووزراء خارجية أربع دول بـ«متابعة تطورات الأزمة وسبل التصدي للتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية».
ويعني هذا التكليف وضع خطة عمل عاجلة، وعقد اجتماع طارئ آخر لإقرارها والشروع في تنفيذها دون انتظار الدورة العادية التي ستُعقد في أواخر مارس المقبل.
وربما يكون ضرورياً التحرك الفوري في اتجاهين، سياسي وقانوني، بالتوازي مع وضع خطة العمل هذه. يرتبط الاتجاه الأول بما نص عليه قرار 10 يناير الجاري أيضاً، حيث طلب من مصر بصفتها العضو العربي في مجلس الأمن متابعة القضية مع هذا المجلس، ولكي يكون هذا الدور المطلوب من مصر قوياً يحسن أن يبدأ بتقديم تقرير شامل يضع الاعتداء على سفارة السعودية وقنصليتها في سياق انتهاكات إيران المتواصلة لسيادة عدد متزايد من الدول العربية، وخططها المستمرة لتوسيع نفوذها في المنطقة عن طريق الحرب بالوكالة.
ينبغي أن يعرف العالم أن إيران قررت منذ انتهاء حربها مع العراق أن تكون حروبها التالية بالوكالة وبأساليب مختلفة لا يقل أي منها خطراً عن حرب مباشرة. لذلك سيكون مفيداً تزويد مجلس الأمن بتقرير لشرح أساليب الحرب بالوكالة التي تخوضها أذرع إيران، فضلاً عن ممارسات التحريض، ومحاولات افتعال اضطرابات في دول عربية وإسلامية عديدة آخرها نيجيريا التي كُشف النقاب فيها عن محاولة أحد قادة الشيعة (إبراهيم الزكزاكي) تأسيس ميليشيا مذهبية.
أما التحرك الثاني فهو رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية لمحاسبة إيران على انتهاكها السافر لاثنتين من أهم الاتفاقيات الدولية، اتفاقيتا فيينا للبعثات الدبلوماسية 1961 وللبعثات القنصلية 1963. فلا ينبغي أن نستهين بأهمية الأدوات القضائية الدولية، أو نضيع فرصة لاستصدار حكم من أعلى محكمة في العالم يدين إيران ويفتح مساحات جديدة للتحرك العربي.
--------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 27-1-2016.
رابط دائم: