ثمة مساحة متداخلة بين مدركات التنظيمات الدينية العابرة للحدود ذات البعد السياسي، والطريقة التي تتفاعل بها هذه التنظيمات مع الواقع. فالإدراك يعبر عن طريقة فهم ورؤية الواقع والوقائع السياسية التي يري جان فرنسوا بايار "أنها ليست موجودة كما هي، ولكنها موجودة كمواضيع تفسر وفق محددات معرفية وعاطفية ورمزية خاصة بكل مجتمع". ووفقا لهذه المقولة، يتداخل في تشكيل المدركات الكثير من الجوانب الذاتية لأعضاء المجموعة، مثل التنشئة، والتعليم، والتركيب النفسي، والتي تفضي إلي مسارات محددة للتفاعل مع السياق الخارجي بمختلف فاعليه.
تلك المعطيات الإدراكية تشكل مدخلا جوهريا للتعاطي مع ظاهرة الفاعلين الدينيين العابرين للحدود (في صيغهم السياسية، وليست الدعوية)، إذ إن الكثير من أزمات هؤلاء الفاعلين بتجلياتها المتباينة، سواء من خلال الجمود التنظيمي والتعرض لأزمات وجودية (كما في حالة تنظيم الإخوان المسلمين في مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو 2013)، أو من خلال سيطرة التوجهات الراديكالية والعنيفة علي البناء الفكري لأعضاء التنظيم (كما في حالة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش") تبدأ بأزمة في الإدراك تؤدي إلي فجوة هائلة بين العالم، كما هو موجود في الواقع، والعالم كما هو موجود في ذهن ومخيلة العناصر التنظيمية. فالمعادلة تبدو هنا كواقع موضوعي واحد مقابل تصورات ذاتية متعددة. ونتيجة لهذه المعطيات، تتعزز احتمالات الاستقطاب والصراع بين التنظيم وغيره من الفاعلين.
رابط دائم: