من أين تستمد منطقة ما أهميتها في العلاقات الدولية، خصوصا من منظور الدول الكبري؟ وهل ترجع مصادر أهمية منطقة ما إلي عوامل تتعلق بسماتها وخصائصها في حد ذاتها، أم أنها ترتبط بأوضاع النظام الدولي، وتفاعلاته، وصراعاته، ومتطلبات الدول الكبري من موارد تتوافر في هذه المنطقة؟
في ضوء هذه الأسئلة، تسعي الورقة إلي تحليل مفهوم الأهمية الاستراتيجية لمنطقة ما، ثم تطبيق ذلك علي حالة الشرق الأوسط، وبيان ما إذا كانت أهمية المنطقة ستتسم بالاستمرار، أو أنها ستتغير بتطور أطراف النظام الدولي، وقضاياه، والتوازنات بين دوله الكبري.
أولا- في مفهوم الأهمية الاستراتيجية:
تتعدد الإجابات بشأن العوامل التي تحدد الأهمية الاستراتيجية لمنطقة ما، فيرجعها البعض إلي الحسابات الجيوسياسية، التي تدرس التفاعلات بين العوامل الجغرافية، وتلك السياسية، فتتناول تأثير الموقع، والتضاريس، وطبوغرافية المكان في الأوضاع السياسية داخليا وخارجيا.
فعلي مستوي الداخل، ربط كارل ويتفوجل بين الدول التي تعتمد في زراعتها علي النهر، ونشأة نظم الاستبداد الشرقي. ورأي آخرون أن الدول ذات التضاريس الجبلية تكون أكثر منعة، وأكثر استعصاء علي الغزو الخارجي من تلك ذات الطبيعة الجغرافية المنبسطة. وعلي مستوي الخارج، استخدم الباحثون العوامل الجيوسياسية لتفسير اهتمام أثينا القديمة، وبريطانيا، والسويد، والبرتغال ببناء الأساطيل البحرية، مقارنة باهتمام أسبرطة القديمة، وبروسيا، وروسيا بالقوة البرية. فالجغرافيا السياسية تؤثر في نظرة الدول لمصالحها الوطنية، وتحديد مصادر التهديدات والأخطار، وذلك بالطبع دون الوقوع في فخ الحتمية الجغرافية.
رابط دائم: