الدول الكبرى لا تشتغل في سياساتها الخارجية الاستراتيجية وفقا لقواعد الحق والعدالة، وإنما وفقا لموازين القوى والمصالح السياسية والأمنية والاقتصادية.
بعد قرابة خمسة أعوام على الصراع في سوريا، ها نحن إزاء قرار من مجلس الأمن، تتوافق فيه الدول الكبرى على ما يمكن اعتباره “خارطة طريق” لوضع حد لهذا الصراع، وتحقيق نقلة سياسية في هذا البلد.
قبل مناقشة نص القرار أو حيثياته، يجدر بنا أن نلاحظ أن هذا الإجماع المتشكل في القرار 2254 لم يتحقق إلا بدفع من ثلاثة عوامل رئيسية. أولها، ضغط مئات الآلاف من اللاجئين على الدول الأوروبية. وثانيها، العمليات الإرهابية التي ضربت في باريس وهددت بضرب غيرها. وثالثها، وصول روسيا وتركيا إلى حافة الحرب. ومعلوم أن العامليْن الأولين جعلا من الانفجار السوري مسألة داخلية في أوروبا، في حين أن العامل الثالث بات بمثابة خطر محدق يهدد الأمن العالمي.
الفكرة الأولى هنا أن العامل الخارجي هو الذي خلق هذا الإجماع، وليس العامل الداخلي. بمعنى أن العالم، ربما دون الأسباب الثلاثة المذكورة، كان يمكن أن يبقى على تعايشه مع المسألة السورية. والفكرة الثانية، أن الدول الكبرى لا تشتغل في سياساتها الخارجية الاستراتيجية وفقا لقواعد الحق والعدالة، وإنما وفقا لموازين القوى والمصالح السياسية والأمنية والاقتصادية، وضمن ذلك أمن واستقرار مجتمعاتها. المغزى من عرض هذه الخلفية توضيح أن المعارضة السورية هي التي تحتاج إلى المجتمع الدولي، أولا بحكم اعتمادها على الدعم الخارجي. وثانياً بسبب ضعفها إذ أنها بعد خمسة أعوام لم تستطع تطوير بناها السياسية ولم تستطع الحفاظ على الخطابات التي أطلقتها في بدايات الثورة. وثالثا لأن دخول روسيا على خط الصراع أمدَّ من عمر النظام.
بناء على هذه الخلفية ربما ما كان يجدر بالمعارضة السورية توقعّ أكثر من ذلك من المجتمع الدولي، لا سيما على ضوء تجربة عمرها قرابة خمسة أعوام، وربما أن هذه المعارضة معنية بتعزيز إدراكاتها أولاً، بشأن عدم توقّع أن يصدر عن مجلس الأمن الدولي قرار حسب تصوراتها. وثانياً، أنها معنية بالتعاطي مع القرار الصادر باعتباره خطوة أولية يفترض الاستثمار فيها لتطويرها. وثالثا أن هذا الأمر يُلزمها بالعمل على تطوير أوضاعها وترتيب بيتها وتوضيح ذاتها للسوريين أولا، وللعالم ثانيا، لأن لهذا القرار استحقاقاته المستقبلية، وهذا شغل السوريين ولن يقوم أحد في العالم بالقيام بما ينبغي عليهم القيام به. ورابعا، وجوب النظر إلى هذا القرار من زاوية مستقبلية، باعتباره بمثابة بداية النهاية لنظام الأسد، إن من زاوية نصوصه التي أكدت أكثر من مرة على بيان جنيف (2012)، أو في تأكيده مباشرة، ومرتين، على النص بـ”إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة”. خامساً يجدر ملاحظة أن تحولا حصل في الموقف الروسي ينبغي البناء عليه. صحيح أنه ليس كاملا، إلا أنه تحول على غاية الأهمية.
يجدر لفت الانتباه إلى أن القرار يتحدث عن وقف إطلاق النار، وعن آليات لمراقبته، وعن رفع الحصار وتأمين المواد اللازمة للمناطق المحاصرة، وتهيئة الظروف لعودة النازحين واللاجئين، وهذه مسائل مهمة للسوريين لأن عمليات القصف والقتل والتدمير تستهدف المناطق التي تعتبر حاضنة للثورة، بمعنى أن وقف إطلاق النار بكل أشكاله هو مصلحة أساسية للمعارضة. كما يجدر الانتباه إلى أننا إزاء مرحلة انتقالية قدرها 18 شهراً، تتضمن تشكيل هيئة حكم بصلاحيات تنفيذية كاملة، والتحضير لصوغ دستور جديد، وتنظيم انتخابات جديدة، وكل واحدة من هذه العمليات الثلاث محددة في فترة زمنية قدرها ستة أشهر.
المعارضة السورية معنية بتعزيز وضعها إزاء شعبها وإزاء العالم، بنبذها الإرهاب، أيديولوجية وشكلا، وبإعادة الاعتبار لخطاباتها الأولى، باعتبار الثورة السورية، ثورة ضد الاستبداد، ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي في دولة مؤسسات وقانون، لأن العالم دون ذلك لن يكون معنيا بهذه العملية، وأيضا لأن سوريا لن تكون ذاتها دون أن تكون لكل السوريين.
-----------------------------------
* نقلا عن العرب اللندنية، 22-12-2015.
رابط دائم: