علي عكس نظيرتها من الدول الديمقراطية، تبدأ الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر لها في نوفمبر كل أربع سنوات مبكرا، حتي قبل المؤتمرات الحزبية لكل من الحزبين الكبيرين (الجمهوري والديمقراطي) لتسمية مرشح الحزب رسميا للانتخابات من بين عدد كبير من الراغبين في الترشح داخل كل من الحزبين.
وما يميز الانتخابات الرئاسية الأمريكية أن المتنافسين الجمهوريين والديمقراطيين يتعاقدون مع كبري دور النشر الأمريكية لنشر كتب من تأليفهم قبل احتدام السباق الانتخابي، تتضمن رؤيتهم الذاتية لعدد من القضايا الملحة أمريكيا، لاسيما القضايا الاقتصادية (البطالة، والهجرة، والرعاية الصحية) لكونها القضايا التي تشغل تفكير الناخب الأمريكي عند التصويت في الانتخابات الأمريكية. ومع رؤية المتنافسين أن هناك إخفاقات في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كانت قضايا السياسة الخارجية أيضا حاضرة في مؤلفات المتنافسين في الانتخابات الرئاسية القادمة، مركزين رؤيتهم علي كيفية محافظة الولايات المتحدة علي قوتها وقيادتها للنظام الدولي.
ولم يقتصر انتقاد المرشحين الجمهوريين في مؤلفاتهم علي السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما، ولكنه امتد أيضا إلي المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، الأوفر حظا للفوز ببطاقة الحزب في الانتخابات الرئاسية. فارتكز الانتقاد الجمهوري علي تدعيم هيلاري لحرب ضد معمر القذافي في ليبيا، مخلفة دولة توفر ملاذات آمنة للجماعات الإرهابية التي تنتشر في منطقة الشرق الأوسط. وقد تطرق النقد الجمهوري إلي تصويتها في عام 2002 كعضو بمجلس الشيوخ الأمريكي علي شن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش حربا علي نظام صدام حسين في العراق (مارس 2003)، والتي أنتجت دولة فاشلة، ومصدرة للإرهاب وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ويعد إصدار المرشح لكتاب مع خوضه سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية عنصرا أساسيا في حملته الانتخابية، فيسعي خلال جولاته الانتخابية بالولايات الأمريكية إلي الترويج لكتابه الذي يعد أداه رئيسية للترويج له ولأفكاره، وهو الأمر الذي دفع عددا من الكتاب الأمريكيين إلي التعليق علي ظاهرة تأليف مرشحي الرئاسة الأمريكية كل أربع سنوات لكتب بأنها أضحت شرطا من شروط الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وعلي الرغم من أن مرشحي الرئاسة يبذلون قصاري جهودهم لنشر مؤلفاتهم مع احتدام السباق الانتخابي الأمريكي، فإن عددا منهم يذهب إلي نشرها قبل بداية السباق الانتخابي بفترة مثل المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، التي أصدرت كتابها العام الماضي، والذي تناول فترة توليها منصب وزيرة الخارجية في إدارة أوباما الأولي. وكثيرا ما يعيد المرشحون إصدار طبعات جديدة من مؤلفاتهم السابقة مع بداية السباق الانتخابي.
ويركز المرشح الرئاسي، في مؤلفه الذي يصدره قبل عام من توجه الناخب الأمريكي لصناديق الاقتراح لاختيار أعضاء المجمع الانتخابي، علي تناول رحلة صعوده السياسي، ورؤيته لقضايا الداخل الأمريكي، والأزمات التي تواجهها الولايات المتحدة علي الصعيد الدولي. وعادة ما تكون الأفكار التي تتضمنها تلك المؤلفات مادة خصبة لمنافسيه لتفنيد رؤيته وانتقادها، وطريقة تعامله مع القضايا الملحة، في حال انتخابه، بصورة قد تأتي بنتائج عكسية علي المرشح.
وفي حال نجاح المرشح في الفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن مؤلفه يتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعا داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، مع شغف الرأي العام الأمريكي والعالمي إلي التعرف أكثر علي رؤية الرئيس الأمريكي الجديد لقضايا الداخل والخارج الأمريكي، وقصة صعوده السياسي. وكذلك الأمر بعد خروجه من البيت الأبيض، حيث يتصدر المؤلف الذي يكتبه بعد انتهاء فترته الرئاسية مبيعات الكتب لرغبة القارئ الأمريكي والعالمي في معرفة كيف تعامل الرئيس مع القضايا التي واجهتها إدارته داخليا وخارجيا. وكثيرا ما تعقد مقارنات بين ما تضمنه كتابه من أفكار قبل الفوز بمنصب الرئاسة، وما تم تنفيذه وتطبيقه منها بعد خروجه من البيت الأبيض.
وعادة ما تكون مؤلفات مرشحي الرئاسة الأمريكية مصدرا لربح طائل للمرشح، حيث يجني مبالغ طائلة من بيع مؤلفه، لاسيما مع تصدر أسهمه استطلاعات الرأي العام الأمريكي، واحتدام التنافس الانتخابي، وقرب موعد الانتخابات الرئاسية. فحسب تقرير لمجلة (Time) الأمريكية، تتقدم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بكتابها المعنون "خيارات صعبة Hard Choices" الذي صدر العام الماضي، قبل احتدام السباق الانتخابي الأمريكي، أكثر مؤلفات مرشحي الانتخابات الرئاسية لعام 2016 مبيعا، حيث بيع منه 280 ألف نسخة. وفي المرتبة الثامنة والأخير، جاء كتاب "الارتقاء إلي مستوي التحدي" Rising to the Challenge للمرشحة كارلي فيورينا، والذي بيع منه ثلاثة آلاف نسخة فقط.
وفي الوقت الذي يسعي فيه أغلب المتنافسين للانتخابات الرئاسية لعام 2016 إلي إصدار كتب مطبوعة قبل تدشين حملاتهم الانتخابية، اتجه عدد قليل منهم إلي إصدار مؤلفاتهم مع بداية السباق الانتخابي إليكترونيا، ويأتي في مقدمتهم المرشح الجمهوري جيب بوش، الذي أعلن في أواخر العام الماضي عن نشر كتابه الذي يحمل فلسفته للحكم إلكترونيا.
هكذا، يستفيد المرشح من نشر كتاب يوفر له دعاية مجانية، بجانب استضافته في البرامج الحوارية ذات نسب المشاهدة العالية، وتقديم الصحف عروضا للكتاب، وما تضمنه من أفكار، الأمر الذي يجعله أكثر شهرة بما يزيد من عدد مؤيديه. وتمنح جولات المرشح للترويج لكتابه في الولايات الأمريكية فرصة جيدة للتواصل مع مؤيديه المحتملين، وإيجاد متطوعين ينخرطون في حملته الانتخابية، فضلا عن أنها وسيلة لجمع التبرعات لحملته الانتخابية.
--------------------------------------------
(*) تقديم،ـ قسم مكتبة السياسة الدولية، مجلة السياسة الدولية، العدد 202، أكتوبر 2015.
رابط دائم: