عرض: باسم راشد - باحث في العلوم السياسية
Michael B. Oren,Ally:My Journey Across the American-Israeli Divide, (New York: Random House, 2015)
تشكل العلاقات مع إسرائيل إحدي الركائز الأساسية في تعاطي الولايات المتحدة مع منطقة الشرق الأوسط. فعبر العقود الماضية، كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتعهد بالحفاظ علي التحالف الاستراتيجي مع تل أبيب بما ينطوي عليه من ضمانات للحفاظ علي أمن واستقرار إسرائيل، وضمان تفوقها التسليحي علي غيرها من دول المنطقة. وقد كرس هذا الدعم لأوضاع بالمنطقة تصب في مصلحة إسرائيل، فضلا عن تعزيز مساحات التماهي بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية. بيد أن هذه الحالة التوافقية بين الجانبين اعترضتها خلال السنوات الأخيرة بعض الإشكاليات، ارتبطت بالأساس بالانتقادات التي وجهتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للسياسة الاستيطانية للحكومة الإسرائيلية، فضلا عن الرؤية الأمريكية لتسوية الملف النووي الإيراني، والتي أدت إلي أزمة حادة في العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية.
في هذا السياق، يتناول مايكل أورين، السفير الإسرائيلي الأسبق في الولايات المتحدة (2009 -2013)، في كتابه، الذي يندرج ضمن كتب المذكرات، العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية في مرحلة شهدت تحولات مهمة للولايات المتحدة، وتطورات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، والتي أصبحت إسرائيل تقع، بحكم معطيات الواقع، في القلب منها.
يقول أورين في كتابه إنه خلال تولي منصبه كسفير لإسرائيل في الولايات المتحدة، شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية في المنطقة (إسرائيل) الكثير من التجاذبات، وأصبح مستقبلها محل تساؤل من جانب المحللين الأمريكيين والإسرائيليين علي حد سواء.
معضلة أوباما:
يشير أورين إلي أن التوتر الذي انتاب العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، خلال سنوات إدارة أوباما الأولي، لم يكن بسبب تطورات قد تمثل تهديدات وجودية لإسرائيل، لكنه ارتبط أكثر برؤية إدارة أوباما لما يجب أن تكون عليه إسرائيل. فقد مثَّل الرئيس الأمريكي أوباما بالنسبة لأورين معضلة هددت إسرائيل، خاصة مع الأفكار الجديدة التي جاءت بها إدارته، وبالتحديد تلك المتعلقة بمحاولات إنعاش عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، والتفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، وإعادة بناء جسور التواصل مع العالم الإسلامي، بعد أن عملت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، علي تدمير أواصرها.
ويصف أورين الرئيس أوباما بأنه سياسي ذكي مثالي، لكنه ربما يكون ساذجا في بعض الأحيان، لأنه كان يعتقد أنه يمكنه إصلاح العلاقات الأمريكية المضطربة مع العالم الإسلامي، وكذلك إعادة البدء في عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط بناء علي "أفكاره الخاصة". وأرجع أورين ذلك الأمر، في إطار تحليله النفسي لشخصية أوباما، وفي صيغة قد تبدو مؤامراتية، إلي أصوله الإسلامية المتمثلة في والده وزوج والدته، اللذين ربما جعلاه يفكر في إمكانية تحقيق ما يصبو إليه مع العالم الإسلامي.
لم يتوقف انتقاد أورين للإدارة الأمريكية تحت قيادة باراك أوباما فحسب، بل أيضا انتقد في كتابه الصحفيين الأمريكيين اليهود، وغيرهم الذين ينتقدون سلوكيات الحكومة الإسرائيلية صراحة وعلي الملأ، حيث يري أن هناك دوافع داخلية تحركهم نحو انتقاد الحكومة الإسرائيلية، وسياسات التسوية التي تتبعها، وأنه "يجب علي هؤلاء أن يتوقفوا عن انتقاد وطنهم، وأن يدعموا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن وجودها كدولة يهودية وسط العالم الإسلامي".
محطات الصراع الرئيسية:
أشار أورين إلي أنه عادة ما كانت اتجاهات السياسة الخارجية الإسرائيلية تتفق مع نظيرتها الأمريكية في القضايا الملحة في المنطقة. ولكن بعد تولي الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما مقاليد السلطة، أصبحت الإدارة الأمريكية لها توجهات مختلفة في السياسة الخارجية، وباتت تلك التوجهات لا تراعي المصلحة الإسرائيلية إلي حد كبير، كما كان الأمر في الماضي. ونتيجة لذلك، وصف أورين السياسة الأمريكية تجاه بعض القضايا بـ "المتخبطة"، في ظل عدم وجود رؤية واضحة واستراتيجية شاملة يمكن علي أساسها تجنب حدوث أية تداعيات خطيرة غير متوقعة.
وتتمثل أبرز محطات الصراع في العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، طبقا لأورين، في الفترة التي شغل فيها منصب سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، في عملية السلام مع فلسطين، والربيع العربي، والبرنامج النووي الإيراني وما يمثله من تهديد للأمن القومي الإسرائيلي.
أثارت عملية إحياء السلام التي أرادتها الحكومة الأمريكية كإنجاز يحسب لها في التاريخ مخاوف الجانب الإسرائيلي لما قد تواجهه من تسويات لا ترضي الحكومة الإسرائيلية، خاصة في ظل توجهات أوباما الجديدة نحو العالم الإسلامي، وفي ظل قلقه في بعض الأحيان من استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية لما لها من تأثير في عملية السلام المنشودة.
كذلك، مثَّل الربيع العربي وكيفية التعاطي معه محطة صراع ومواجهة مهمة بين إسرائيل والولايات المتحدة. فعلي سبيل المثال، أثار اندلاع الثورات العربية في دول -مثل مصر، وتونس، وليبيا، وسوريا- ضد النظم الأوتوقراطية الفاسدة مخاوف إسرائيل من أن تقود تلك الثورات إلي وصول حكومات إسلامية لسدة الحكم في الدول العربية، واستنكرت دعم الولايات المتحدة لخروج وإسقاط حسني مبارك، ومعمر القذافي، وانتقدت فيما بعد ترحيبها بالتعامل مع الحكومات الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين في مصر).
أما الصراع الأكبر، فقد تمثل في كيفية تعاطي إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مع تطورات البرنامج النووي الإيراني، خاصة في ظل إدراك إسرائيل أن إيران أكثر الدول التي تهدد وجودها في المنطقة، حيث رأت الحكومة الإسرائيلية أنه لابد من فرض عقوبات قوية علي إيران بهدف وقف الطموح النووي الإيراني لامتلاك سلاح نووي بما يهدد التفوق النوعي الإسرائيلي في المنطقة. وإذا لم يحقق توقف العقوبات البرنامج النووي الإيراني، فلابد من توجيه ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهو التوجه الذي ترفضه إدارة أوباما منذ اليوم الأول لها في البيت الأبيض، لأنها لا ترغب في إشعال حروب جديدة وغير متوقعة العواقب في منطقة الشرق الأوسط. لذا، أعلن أوباما أنه لن يسمح لإسرائيل بتوجيه ضربات إجهاضية ضد المواقع النووية الإيرانية. وفي المقابل، رأت إدارة أوباما أن التفاوض مع إيران بشأن وقف برنامجها النووي هو الأمثل بالنسبة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وهو ما يتناقض مع وجهة النظر الإسرائيلية الرافضة للنهج الدبلوماسي والتفاوض مع النظام الإسلامي الإيراني، حيث ترفض تل أبيب الاتفاق النهائي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة (5+1) في الرابع عشر من يوليو .2015
وجه أورين اللوم والانتقاد لجميع من يرون ضرورة السكوت عن الخطر الإيراني الذي يهدد إسرائيل، مؤكدا ضرورة التطرق إلي المسكوت عنه، ما دام يمس دولة إسرائيل، تفاديا لحدوث أية مخاطر مستقبلية نتيجة لتصاعد الدور الإيراني وبروزه بشكل ملحوظ في المنطقة، خاصة بعد "الربيع العربي"، وتدهور الأوضاع الأمنية، والسياسية، والاقتصادية في العديد من الدول العربية، ومحاولة طهران تنفيذ مخططاتها وبرنامجها النووي الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة بشكل كلي.
ويمكن القول إن هذا الكتاب قدم نظرة ثاقبة عن مدي عمق التوترات بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويوضح كيف عجز الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، خلال سنوات حكمه، عن التأثير في رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ليتبني سياسات تتوافق مع ما ترغب فيه الإدارة الأمريكية، وبما يحقق طموحاتها وسياساتها في منطقة الشرق الأوسط.