تنضم مصر في أول يناير المقبل إلى الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن للمرة الرابعة منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945. لكن الحضور المصري في هذا المجلس لم يترك أثراً واضحاً أو «بصمة» كما في المرات الثلاث السابقة لأسباب مختلفة.
في المرة الأولى (1949 -1950) لم تكن مصر قد نالت استقلالها السياسي كاملاً رغم أنها صارت مستقلة قانونياً بموجب معاهدة 1936 مع بريطانيا. لذا كان اهتمامها منصباً على جلاء ما بقى من قوات بريطانية فيها، إلى جانب قضية فلسطين التي تفاقمت بعد إعلان قيام إسرائيل قبل شهور من انضمام مصر إلى المجلس. كما ظهرت في تلك الفترة مقدمات الاستقطاب الأميركي السوفييتي الذي أضعف دور مجلس الأمن، وشل حركته في بعض الأحيان.
وعندما التحقت مصر بالمجلس للمرة الثانية في 1961 –1962، كان ذلك الاستقطاب قد بلغ ذروته في ظل نظام عالمي ثنائي القطبية. وكانت مصر طرفاً بشكل أو بآخر في هذا الاستقطاب نتيجة علاقاتها الوثيقة مع الاتحاد السوفييتي، رغم أنها تبنت رسمياً سياسة عدم الانحياز. لذلك لم يكن بإمكانها أن تناور بين القوتين العظميين سعياً إلى دور مستقل داخل المجلس.
ورغم أن القطبية الثنائية كانت قد انتهت حين دخلت مصر مجلس الأمن عامي 1996 و1997، فقد شهدت تلك الفترة هيمنة أميركية على النظام العالمي، وبالتالي على هذا المجلس. كما كانت العلاقة الخاصة التي ربطت مصر بالولايات المتحدة وقتها قيداً على حرية حركتها، فضلا عن أن سياستها الخارجية كانت تتجه إلى الانكماش إقليمياً ودولياً.
لكن الوضع مختلف الآن، فالنظام العالمي في حالة أقرب إلى السيولة، لذلك أصبحت القيود على قيام دولة غير دائمة العضوية في مجلس الأمن بدور مهم أقل من أي وقت مضى. كما أن السياسة الخارجية المصرية تسعى حالياً لاستعادة فاعليتها وقدرتها على التأثير إقليمياً ودولياً. لذلك تتوافر لمصر فرصة غير مسبوقة لاستثمار وجودها في مجلس الأمن لأداء دور يُحسب لها وللعرب عموماً، ويساهم في معالجة أزمات منطقتها الآخذة في التفاقم. فهذه المعالجة تتطلب دوراً فاعلاً للأمم المتحدة لا تقوم به الآن. وقد ثبت خلال العقود الأخيرة أن مثل هذا الدور لن يكون ممكناً من دون إصلاح حقيقي في مجلس الأمن خاصة.
غير أن المشاريع التي طُرحت بشأن هذا الإصلاح تعثرت منذ أن طُرحت للمرة الأولى عام 1992. وفي إمكان مصر بالتنسيق مع مجموعة من الدول العربية والأفريقية والآسيوية، وأخرى في أميركا اللاتينية، إحياء قضية إصلاح مجلس الأمن وإعادتها إلى الطاولة، لكن برؤية جديدة وبدائل مختلفة. فقد ركزت مشاريع الإصلاح كلها على توسعة المجلس، وأغفلت أن معضلة المجلس ليست في قلة عدد أعضائه، بل في امتلاك خمسة منهم حق «الفيتو» الذي أُسيئ استخدامه. لذلك يصعب النظر إلى فكرة زيادة عدد الدول التي تمتلك هذا الحق بوصفه إصلاحاً للمجلس. وهذا فضلاً عن أن صعوبة التوافق على بعض الدول التي تستحق العضوية الدائمة ظل أحد أسباب تعثر الإصلاح في مجلس الأمن.
وإذا أردنا إصلاحاً حقيقياً، ينبغي أن يقوم على إلغاء حق النقض وليس على زيادة عدد الدول المتمتعة به. لكن هذا أمر شديد الصعوبة حين تتبناه دولة مثل مصر من دون وجود تكتل دولي واسع يدعمه.
ويتطلب بناء مثل هذا التكتل عملاً دؤوباً عبر تعاون بين مجموعة أساسية من الدول في مختلف المناطق. ولن يكون لهذا التكتل جدوى إلا إذا زاد من يؤيدون إلغاء حق النقض في مجلس الأمن عن ثلثي أعضاء المنظمة الدولية ليتسنى نقل قضية الإصلاح برمتها إلى الجمعية العامة. وكلما زاد عدد مؤيدي الإصلاح، قلت الصعوبات التي تواجهه، لأن ميثاق الأمم المتحدة يُعد من المواثيق الجامدة التي يخضع تعديلها لشروط تعسفية، إذ لا يتم تعديله إلا بموافقة الدول ذات العضوية الدائمة فيه.
ولا سبيل بالتالي لتعديل هذا الميثاق لإصلاح مجلس الأمن إلا حين تطلب أغلبية كبيرة من أعضاء الأمم المتحدة انعقاد الجمعية العامة تحت بند «الاتحاد من أجل السلام» لفرض إرادة دولية واسعة النطاق، وانتزاع قرار يُحيي المنظمة الدولية التي أشرفت على الموت.
---------------------
نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 18-11-2015.
رابط دائم: