يحرص قادة «إسرائيل» ومسؤولوها الحاليون والسابقون، سواء كانوا مدنيين، أو عسكريين علمانيين، أو دينيين، في المعارضة أو في الحكم، على الاجتماع في شهر يونيو/ حزيران من كل عام، في مستعمرة هرتزليا، على شاطئ البحر المتوسط، فيما يسمّى «مؤتمر المناعة والأمن القومي لإسرائيل»، وذلك للمشاركة في النقاش في أهم القضايا التي تواجه «إسرائيل»، ويتبادلون طرح الرؤى لكيفية التعامل معها ومواجهتها، وترتيب أولويات «إسرائيل» لمدة عام كامل. وكان هذا المؤتمر قد بدأ في عام 2000، ومنذ ذلك الحين يتم عقده بشكل سنوي، وينظمه ما يسمّى «معهد السياسة والاستراتيجية»، وتموّل المؤتمر وزارة الدفاع «الإسرائيلية»، ومجلس الأمن القومي، والوكالة اليهودية، إضافة إلى كبار رجال الأعمال وجهات أخرى.
ويناقش المؤتمر مستقبل «إسرائيل» ووضعها اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً، ويرصد الأخطار التي تواجهها، سواء في الداخل أو من الخارج.
وفي المؤتمر الخامس عشر، تصدر عنوان واحد النقاشات وهو: موضوع المقاطعة الدولية ل«إسرائيل»، حيث أجمع المتحدثون على أن حركة المقاطعة يمكن أن تتحول من تهديد استراتيجي إلى تهديد وجودي، إذا تعاظمت وتيرتها. وتنبع خطورة هذه الحركة من حقيقة أنها تهدف إلى المسّ بشرعية «إسرائيل» الدولية، ومكانتها العالمية على نحو خطر، لا سيّما في الغرب.
وقد كشفت صحيفة «هآرتس» «الإسرائيلية»، أن حملة المقاطعة الأوروبية على المنتجات الزراعية «الإسرائيلية» الخاصة بالمستوطنات، كبّدت اقتصاد «إسرائيل» خسائر تقدر بستة مليارات دولار في عامي 2013 و2014، وقالت الصحيفة إنه إذا استمرت حملة المقاطعة، فسيصل حجم الخسائر إلى نحو 9.5 مليار دولار، أي، ستخسر في عام 2015 وحده 3.5 مليار دولار. والواقع هناك تيار كبير يتصاعد في أوروبا ضد «إسرائيل» ووحشيتها؛ فالصورة التي كان يحملها الأوروبيون في مخيلتهم عن «إسرائيل» قد تغيرت، فلم تعد لدى الكثير من الأوروبيين تلك الدولة التي تتعرض لعدوان واسع من جيرانها العرب، بل أصبحت هي مصدر العدوان والتهديد، بعدما رأى العالم وحشيتها في التعامل مع الشعب الفلسطيني، خاصة منذ قمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، والثانية عام 2000، باستخدام كل وسائل القمع من الأسلحة المشروعة وغير المشروعة. وكذلك العدوان المستمرّ على غزة، وهدم المنازل على ساكنيها، كل ذلك أوجد ردة فعل لدى الأوروبيين، تجلت في البداية في حملات قادها ناشطون حقوقيون، لمقاطعة البضائع والمنتجات «الإسرائيلية» من مستوطنات الضفة، وتلتها حملة لمقاطعة الجامعات «الإسرائيلية»، وهي التي تمّ إطلاقها في بريطانيا عام 2002، وتسببت في إلغاء برامج علمية متعددة بين بعض الجامعات البريطانية والجامعات في «إسرائيل».
إضافة إلى أن موجة الاعتراف الدولية بدولة فلسطين، قد بلغت مدى بات يقضّ مضاجع قادة «إسرائيل»؛ ففي نوفمبر عام 2012 اعترفت المنظمة الدولية بفلسطين دولةً غير عضو فيها، ورغم أن هذا الاعتراف ليس كافياً، لكنه يُعدّ قفزة كبيرة إلى الأمام، لأن المنظمة الدولية كانت تنظر إلى فلسطين بوصفها كياناً غير عضو، أما اليوم، فأصبحت دولة غير مكتملة العضوية، وقد أدى هذا الاعتراف الأممي إلى حدوث موجة اعترافات من دول كثيرة بدولة فلسطين، وامتدت هذه الموجة إلى أوروبا الحاضن التاريخي للمشروع الصهيوني، فقد شهدت سنة 2014 حركة اعترافات رمزية كبيرة، من مختلف البرلمانات الأوروبية، وبدأت بذلك السويد، ورسمياً من قبل الحكومة في 30 أكتوبر 2014، لتكون أول دولة كبيرة في غربي أوروبا، تقوم بذلك بعد أيسلندا، ثم تلتها العديد من الاعترافات الرمزية.
إن الاعتراف الدولي الكاسح بفلسطين، إنما جاء على جثث مئات الآلاف من الشعب الفلسطيني، الذين ضحوا بحياتهم، لتعيش فلسطين ولا تندثر تحت هيمنة المشروع الصهيوني الغادر، بينما باتت أحلام الصهاينة في ابتلاع كامل فلسطين اليوم في مهبّ الريح، فهم إن استمروا في سياسات العدوان على أراضي الضفة، فإن حملة التعاطف الدولية سوف تتزايد مع الشعب الفلسطيني، إلى مرحلة قد تتحول فيها «إسرائيل» إلى دولة منبوذة من أغلب دول العالم. وهكذا فإن الحملة الدولية على «إسرائيل» سوف تكون أمضى سلاح لنهاية هذه الدولة، وتحرير أرض فلسطين.
-----------------------------
* نقلا عن دار الخليج، 2-8-2015.
رابط دائم: