تواجه المرشحة الديمقراطية الأشهر حتى الآن هيلاري كلينتون صعوبات كبيرة في بداية حملتها الأولية للانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستُجرى في نوفمبر 2016. فالغيوم المخيمة على بعض موارد «مؤسسة كلينتون»، التي تشارك زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون فيها، تثير شكوكاً حول تمويل حملتها الانتخابية، وتعيد إنتاج أسئلة مازالت معلقة بشأن تبرعات حصلت عليها هذه المؤسسة حين كانت هيلاري وزيرة للخارجية (2009 – 2012).
غير أن الصعوبات الأكثر أهمية في حملتها، وقد أطلقتها في 12 أبريل الماضي، تتعلق برهاناتها الانتخابية. ورغم أنها بدأت هذه الحملة بطريقة حذرة تتجنب الإسراف في الوعود حتى لا تكشف رهاناتها مبكراً، فإنها لن تتمكن من مواصلة هذا المنهج. فعندما يقف المرشح أمام جمع غفير من أنصار مشتاقين لسماع ما يريدونه، فهو يحتاج إلى قدرة غير عادية لكبح جماح الاندفاع الذي يجد نفسه مضطراً إليه.
وهذا ما حدث في أول مؤتمر انتخابي كبير عقدته في نيويورك في 14 يونيو الماضي، إذ لم تستطع تجنب كشف هذه الرهانات عبر إلزام نفسها بإكمال مسيرة المساواة الكاملة بين الجنسين، وتبنى سياسات لتحسين دخول الطبقات، التي طال إهمالها رغم تعافي الاقتصاد الأميركي.
وهذه أهم الوعود التي تعهد بها أوباما، مع فرق واحد هو التزامها بإزالة ما بقي من تمييز ضد النساء، بينما ركز أوباما على إنهاء بقايا التمييز ضد السُمر. ولما كان أوباما قد فشل في تحقيق تعهداته، فالأرجح أن تتحول تجربته إلى شبح يلاحق كلينتون في حملتها إذا لم تنتبه لمغبة استخدامها خطاباً مشابهاً لخاطبه.
ويرتبط هذا الخطر على حملة كلينتون بكونها عملت مع أوباما طول إدارته الأولى. ولذلك ستكون مهمتها شاقة في إقناع كثير من الناخبين الأميركيين خارج دائرة أنصارها بتعهدات لم تتحقق حين كانت شريكة أساسية في إدارة ألزمت نفسها بها، بل حدث تدهور ملموس في القضية العرقية.
لقد حمل أوباما معه إلى البيت الأبيض الوعد التاريخي بإنهاء بقايا العنصرية التي مازالت تمثل عبئاً ثقيلاً على المجتمع الأميركي. لكن ما حدث هو ازدياد الممارسات الدالة على التمييز العرقي وليس تراجعها أو حتى ثباتها. وأهم من ذلك أن سلوك أوباما بدا أضعف من رؤساء سابقين (بيض كلهم) في مواجهة الانتهاكات ضد السُمر. ويدل سلوكه حتى اليوم على أن يديه مغلولتان بسبب الحساسية الناجمة عن خوفه من اتهامه بـ«عنصرية مضادة» إذا اتخذ مواقف أقوى لتحقيق تعهد ألزم نفسه به.
ويصعب اليوم الجزم بتقدير مدى تأثير هذه التجربة على موقف النساء تجاه وعد كلينتون بإنهاء ما بقي من تمييز ضدهن في الوظائف والأجور وغيرها. لكن شبح إخفاق أوباما سيلاحقها لا محالة، وسيكون عبئاً على حملتها وحاجزاً أمام أهم رهاناتها الانتخابية. وربما يصبح هذا الشبح أكثر تأثيراً من كل ما تمثله الغيوم المحيطة بسمعتها المالية والأخطاء الدبلوماسية التي اتُهمت بارتكابها حين كانت وزيرة الخارجية. وقد يزداد عبء هذا الشبح أكثر حين تبدأ الآثار السلبية لسياسة أوباما تجاه إيران في الظهور تدريجياً خلال العام القادم. وحتى إذا تنصلت كلينتون وقتها من هذه السياسة، سيُسجل عليها أنها لم تتخذ موقفاً مبكراً تجاهها بخلاف طامحين آخرين للترشح، مثل الجمهوري جيب بوش الذي بدأ حملته بالتنبيه إلى أخطار التخلي عن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وهكذا تبدو رهانات كلينتون مزعزعة على نحو قد يهدد بتكرار تجربتها المؤلمة في انتخابات 2008. فقد بدأت بداية قوية مشابهة لتلك التي انطلقت بها في أبريل الماضي. وكانت تتصدر قائمة المتنافسين إلى أن ظهر وجه جديد حينئذ (أوباما) لم يكن ضمن حساباتها، وخطف الأضواء وتقدم إلى البيت الأبيض.
-------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء، 1/7/2015.
رابط دائم: