يبقى لأداء الولايات المتحدة في مياه الخليج الفاترة وقع أقوى لطمأنة حلفاء واشنطن العرب أو إقلاقهم، أكثر من أيّ بيانات صادرة عن قمة كامب ديفيد.
أطلقت القوات الإيرانية النار، في الرابع عشر من مايو الجاري، على سفينة تجارية أخرى في الخليج العربي، بعد مرور بضعة أسابيع فقط على احتجاز القوات البحرية الإيرانية سفينة “ميرسك تيغرس” في مضيق هرمز، على الرغم من أنّ القانون البحري يحمي السفن التي تقوم بالملاحة العادية عبر الممرات الملاحية الدولية.
ومع أنّ هذه الحوادث مثيرة للقلق، إلا أنها لا ينبغي أن تكون مفاجئة. فالقوات البحرية التابعة لـ“فيلق الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني تنخرط في سلوك متهور بشكل روتيني.
ومثل هذه الحوادث تكون شبه كارثية في بعض الأحيان: فقد صرّحت البحرية الأميركية، على سبيل المثال، أنّ القوات الإيرانية حاولت القيام بمناورة مماثلة قبل أيام من توقيف سفينة “تيغرس” في الشهر الماضي، وفي عام 2008، قامت سفينة تابعة للبحرية الأميركية في النهاية بإطلاق طلقات تحذيرية مهدّدة على زوارق تابعة للبحرية الإيرانية.
ويؤدي سلوك الإيرانيين أحيانا إلى وقوع أزمات دولية شاملة، مثل احتجاز إيران غير المبرر لـ 15 فردا من مشاة البحرية البريطانية عام 2007. ويعود عدم وقوع حوادث مماثلة على نحو أكثر تواترا إلى حدّ كبير إلى احترافية البحرية الأميركية وغيرها من سفن الخدمات والشحن التي تبحر في الخليج.
ولهذه الحوادث تداعيات مقلقة؛ فالمرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي إمّا أنه موافق على هذا السلوك “الوقح” أو هو عاجز عن وضع حدّ له، وكلا الاحتماليْن يدعوان إلى القلق. فإذا كان الاحتمال الأول صحيحا، فإنه يثير تساؤلات حول رغبة آية الله خامنئي في احترام أبسط التزامات إيران الأساسية بموجب القانون الدولي، مما سيعزّز الشكوك في المنطقة وفي واشنطن بشأن مصداقية طهران. أما إذا كان الاحتمال الثاني صحيحا، فإنه يشير إلى أنّ قوات “الحرس الثوري” الإيراني تعمل بشكل مستقل، الأمر الذي يؤكد أنّ الاتفاقات مع إيران هي في الواقع اتفاقات مع فصيل واحد أو آخر، ولا تشعر الفصائل الأخرى أنها ملزمة بها.
وكل ذلك يعزز الحاجة إلى ضمان أن يكون لأيّ اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي آليات تنفيذ قوية وأن تكون عقوبات الغش سريعة وحادّة. كما أن أيّ اتفاق نووي ينبغي أن يتمّ تنظيمه بشكل يلزم قوات “الحرس الثوري”، وليس السلطات المدنية الإيرانية فحسب. ويتمّ تحقيق ذلك بالشكل الأفضل من خلال إلزام إيران، مسبقا، بمعالجة المسائل المتعلقة ببحوث تسلحها النووي وبفتح مواقعها العسكرية أمام عمليات التفتيش التي تخضع لها مواقعها المدنيّة.
وللأحداث الأخيرة في الخليج تداعيات أخرى، فالتدفق الحر للتجارة وحرية الملاحة هي مصالح أميركية أساسية في الشرق الأوسط، وكما أشارت البحرية الأميركية هما “حيويان للرخاء الإقليمي والعالمي”. وعندما هدّد مسؤولون إيرانيون في أواخر عام 2011 بإغلاق مضيق هرمز، قال مسؤولون من الأسطول الخامس في البحرية الأميركية “كلّ من يهدد بتعطيل حرية الملاحة في مضيق دولي هو خارج المجتمع الدولي بشكلٍ واضح، ولن يتم التسامح مع أي تعطيل”.
وتختبر التصرفات الإيرانية هذه التحذيرات في وقت حساس، يستمر فيه حلفاء الولايات المتحدة الخليجيون في التعبير عن شكوكهم حول استعداد واشنطن للوقوف في وجه العدوان الإيراني في أعقاب أي صفقة نووية محتملة. وإذا فشلت الولايات المتحدة في هذا الاختبار، فإن ذلك سيقوّض بصورة أكثر التحالفات الأميركية ومصداقية التزامات واشنطن، كما سيشجّع على اتخاذ المزيد من الإجراءات للحدّ من إمكانية وصول القوات الأميركية إلى الخليج، وربما إلى أماكن أخرى.
هذا ويبقى لأداء الولايات المتحدة في مياه الخليج الفاترة وقع أقوى لطمأنة حلفاء واشنطن العرب أو إقلاقهم، أكثر من أيّ بيانات صادرة عن قمة كامب ديفيد.
--------------------------------------
* نقلا عن العرب اللندنية، الإثنين، 18/5/2015.