جاء قرار مجلس الأمن بشأن اليمن داعماً دعماً كاملاً لعاصفة الحزم وتحت الفصل السابع المقرّ لاستخدام القوة في مواجهة خروج «الحوثيين» والرئيس السابق علي عبدالله صالح على الشرعية، لثلاثة جهات: جهة المبادرة الخليجية للعام 2011 والتي اقترنت بقرارٍ دولي بشأن الحلّ السياسي واشتراع المرحلة الانتقالية، وجهة الإجماع العربي على صَون وحدة اليمن واستقراره، وجهة الأُفق الآخر للتعامُل الدولي مع العرب في الأزمات فيما صار يُعرفُ بمنطقة الشرق الأوسط.
في الجهة الأُولى أو المسألة الأُولى المتعلقة بالمبادرة الخليجية للخروج من الأزمة باليمن، عنى القرار الأُمَمي الجديد، أنّ الإجماع الخليجي الذي صار إجماعاً عربياً، يشير إلى الوزن العربي والإقليمي والدولي لمجلس التعاوُن الخليجي، والذي أمكن له بالقدرات الدبلوماسية والقدرات العسكرية أن يغيّر المسار بل المسارات التي اتخذتْها أزماتُ المنطقة العربية في السنوات الأربع الأخيرة. فقد مضى الخليجيون يومَها إلى مجلس الأمن، وتعيّن مبعوثٌ عربيٌّ ودوليٌّ لرعاية الحلّ باليمن: تنحية الرئيس علي عبدالله صالح بضمانات قانونية، وانتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي لقيادة المرحلة الانتقالية، واشتراع حوار وطني يمني شامل تحسم مخرجاتُهُ في عدة مسائل: الاتفاق على النظام الجديد، وكتابة الدستور، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للعهد الجديد. ورغم طول المدة (حوالي العامين!) فإنّ اليمنيين استطاعوا (بشبه إجماعٍ طال انتظاره) التوصل إلى تحديد معالم المستقبل للدولة اليمنية. وقد رافق الخليجيون وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية بشكلٍ شبه يومي تطورات الحوار، وضبطوا مطامح ومطامع سائر الأطراف السياسية الداخلية، وساعدوا الدولة اليمنية مالياً واقتصادياً. بيد أنّ هذا الاندفاع السلمي المثير للإعجاب من جانب اليمنيين ومن جانب مجلس التعاون، ما منع اختلالات بدأت تظهر في النصف الأول من عام 2013: استمرار التجاذُب بين أنصار أحزاب «اللقاء المشترك» وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وظهور التفلُّت من جانب «الحوثيين»، وجانب فِرَق «الحراك الجنوبي»، وتجاوُزات «جمال بنعمر» المبعوث العربي الدولي بالتنازلات والصفقات مع سائر الأطراف المشاركة بحجة الحرص على نجاح وإنفاذ مخرجات الحوار!
أما الجهة أو المسألة الثانية فهي الجهة العربية والإقليمية. فعندما كان الحوار اليمني جارياً على قدمٍ وساق، كانت الأزمات العربية تتفاقم في سوريا والعراق ومصر وليبيا ولبنان. وهي أزماتٌ لها سببان أو عاملان: ظهور الإسلاميين الجهاديين والسياسيين في شتى الأنحاء، والتدخل الإيراني المتزايد. وقد أفضى ذلك إلى صيرورة سائر الملفات العربية رهائن لدى الأطراف الدولية في مجلس الأمن.أمّا الجهة الثالثة أو الأُفق الآخر الذي تحدثنا عنه فتمثل في ضربة عاصفة الحزم، للخروج من النزاعات والانسدادات التي كلّفت العرب نصف مليون قتيل، وملايين النازحين والمهجَّرين، وتحطم عدة دولٍ ومجتمعات، واختلال الموازين في علاقات العرب بالإقليم والنظام الدولي والعالم.
لقد بادرت دول الخليج العربية تتقدمها المملكة العربية السعودية إلى استنقاذ اليمن والعرب في نظر أَنفُسهم كما في نظر الإقليم والعالم. إذ على وقْع الأيام الأولى لعاصفة الحزم انعقد مؤتمر القمة العربية بشرم الشيخ، حيث جمع السعوديون والخليجيون الآخرون العربَ مع مصلحتهم ومستقبلهم من جديد، وأظهروا تصميماً بالقتال لإنقاذ اليمن، والتصدي للتدخلات الخارجية. وبهذه القبضة المجتمعة اتجهوا إلى مجلس الأمن مذكّرين أنفسَهم وإيران وتركيا والعالم بقدراتهم وتصميمهم على حماية دولهم ومجالهم الاستراتيجي، والمشاركة الفاعلة في صنع حاضر المنطقة ومستقبلها.
في كتابٍ لعددٍ من الباحثين الأجانب صدر عام 2013 عنوانه: لماذا تُهمُّ اليمن؟ قال أحد المختصين في مقدمة الكتاب المجموع: إنّ اليمن مُهمٌّ للعرب والإقليم والعالم لعدة أساب: الموقع الاستراتيجي في بطن الجزيرة العربية وعلى البحار الشاسعة: بحر العرب، والبحر الأحمر، والمحيط الهندي- ومشكلات الفقر المتفاقمة والتي أنذرت دائماً بشرورٍ واضطراباتٍ أشار إليها بقوةٍ نموذج الصومال القريب- والجاذبيات الخفية والظاهرة التي يثيرها اليمن ليس لدى العرب المهجوسين بالتاريخ فقط؛ بل ولدى دول الإقليم، والقوى الكبرى التي صارت حيتاناً في المحيط الهندي!
ما كانت عاصفة الحزم أول تدخلٍ خليجي لحماية النفس وسائر العرب. لقد تدخل الخليجيون بسرعة وحزم في البحرين. وتدخلوا بسرعة وحزم لاستعادة الاتجاه بمصر. وتدخلوا في سوريا والعراق لمكافحة الإرهاب. وها هم يتدخلون باليمن لاستعادة الذات، وملء الفراغ الاستراتيجي أو الخواء الاستراتيجي الذي طالما تحدث عنه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي.
-----------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد، 19/4/2015.
رابط دائم: