عرض: باسم راشد- باحث في العلوم السياسية
Walid Phares,The Lost Spring: U.S.Policy in the Middle East and Catastrophes to Avoid, (New York: Palgrave Macmillan, 2014)
لا يزال هناك اهتمام كبير داخل الأوساط البحثية والأكاديمية الغربية، وفي القلب منها الأمريكية، بالتغيرات التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط، عقب ثورات عام 2011، وتطرح تساؤلا يسعون للإجابة عليه، مفاده: كيف فشل الغرب في توقع تلك التغيرات التي حدثت في العالم، وكيفية مواجهتها؟.
وفي هذا السياق، يأتي كتاب وليد فاريز، مستشار الكونجرس الأمريكي في شئون مكافحة الإرهاب، الذي يصف فيه سياسة الولايات المتحدة إزاء تلك التغيرات بـ "التردد الشديد"، إذ كانت جهودها مشتتة في مكافحة الإرهاب بما أدي إلي ارتكابها العديد من الأخطاء الاستراتيجية التي كلفتها الكثير. ففي ليبيا، لم تتنبأ السياسة الخارجية الأمريكية بأن هناك انفجارات قادمة، ولم تواجه تحديات الانتقال السياسي، ولم تحدد مع أي جانب يجب أن تقف، فضلا عن أنها فشلت في عزل الجماعات الجهادية علي مستوي العالم.
ويوضح الكاتب من خلال كتابه التداعيات الناتجة عن التوترات التي وقعت في الشرق الأوسط منذ عام 2011، ويفترض أن ثمة خللا رئيسيا سيصيب السياسات الأمريكية والغربية في منطقة الشرق الأوسط، إذا لم تحدث تغيرات في الاستراتيجيات والسياسات الأمريكية لمواجهة التغييرات عالميا، وفي منطقة الشرق الأوسط علي وجه الخصوص.
مؤشرات قدوم "الربيع العربي":
يعد فاريز من القلائل الذين توقعوا قدوم ثورات الربيع العربي، وذلك في كتابه الذي صدر عام 2010 بعنوان "الثورة القادمة". وفي كتابه الأخير، يشير إلي أنه كانت هناك مؤشرات علي اقتراب حدوث ثورات الربيع العربي، والتي لم تتنبأ بها الإدارة الأمريكية. يتمثل المؤشر الأول في بدايات صعود المجتمع المدني في دول منطقة الشرق الأوسط في التسعينيات من القرن المنصرم، والذي بدأ بالتركيز علي مشكلات الأقليات المهمشة الدينية والعرقية في الإقليم. حيث يلفت الكاتب إلي أنه كانت هناك أقليات تتحرك ضد الأنظمة المستبدة، كما كانت هناك مؤشرات، ولو بسيطة، علي مجتمع آخر مكبوت كالمرأة والشباب. وقد كان انتشار التكنولوجيا والإنترنت، طبقا للكاتب، هي العامل الأساسي في ظهور تلك المجتمعات، حيث أتاحت الفرصة لهم للتعبير عن أفكارهم بحرية.
أما المؤشر الثاني، الذي يرصده الكاتب، فقد تمثل في ثورة الأرز في لبنان عام 2005، والثورة الخضراء في إيران، حيث تظاهر ما يقرب من 1.8 مليون مواطن في شوارع بيروت بشكل سلمي، ومن فئات مختلفة، ضمت العديد من النساء، ومثلت العديد من اللغات، إلا أن هدفها كان واحدا، وهو انسحاب القوات السورية من لبنان. أما في الثورة الخضراء في إيران، فقد تظاهر ما يقرب من مليوني مواطن في الشوارع، 60٪ منهم تقل أعمارهم عن 20 عاما، وثلثهم كان من السيدات. وبالطبع، فقد تم تفريق تلك المظاهرات بعد نزول قوات الحرس الثوري الإيراني للشوارع، إلا أن المؤشر كان واضحا بأن الشباب يتحرك علي الأرض، ويستخدم التكنولوجيا الحديثة للحشد والتجمع ضد النظم السياسية.
ويشير الكاتب إلي أنه في منتصف عام 2010، كانت ملامح الربيع العربي تلوح في الأفق، وكان الشباب فقط ينتظرون الفرصة المناسبة. ففي مصر، علي سبيل المثال، بدأت بعض البوادر تظهر حينما نظم الطلاب الأقباط مظاهرة في القاهرة تنديدا بتفجير كنيستهم، وهو ما دفع الشباب غير الأقباط إلي البدء في تظاهراتهم للتعبير عن آرائهم، وتزايد الأمر بعد ذلك من خلال صفحات الفيسبوك لتنظيم مظاهرات بالآلاف في ميدان التحرير.
ويؤكد فاريز أنه حينما بدأت تلك الموجات الثورية في تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، كانت هناك لحظة، لو كان لدي الولايات المتحدة فيها القيادة الصحيحة، أو القيادة التي تريد التصرف، لكانت أيدت مباشرة مطالب الحرية، ودعمت المجتمع المدني الثائر ضد النظم المستبدة.
اختيارات واشنطن الخاطئة:
يشير الكاتب إلي أن الآراء السائدة داخل البيت الأبيض في ذلك الوقت رجحت ضرورة الانتظار لحين رؤية ما ستئول إليه الأوضاع. إلا أن الوضع تغير عندما قرر الإخوان المسلمون النزول للمشاركة في المظاهرات. وهنا، كما يشير الكاتب، تغير الخطاب الأمريكي رغبة في تأمين مصالح الولايات المتحدة مع القيادة المستقبلية.
وقد تكرر السيناريو نفسه في ليبيا وسوريا، حيث تحول الموقف سريعا إلي حرب أهلية نتيجة حسابات خاطئة مرة أخري من جانب الإدارة الأمريكية. ففي ليبيا، اندلعت المظاهرات ضد القذافي من الطلبة، والقضاة، والدبلوماسيين، بجانب الميليشيات الجهادية، إلا أن الإدارة الأمريكية، وكذلك أعضاء الكونجرس لم يفرقوا بينهم ووضعوهم كلهم في سلة واحدة. وبالتالي حينما هزمت قوات القذافي بسهولة، استطاعت الميليشيات السلفية الجهادية السيطرة علي الجزء الشرقي من ليبيا، لأنها كانت القوة الأكثر تنظيما علي الأرض، ثم توسعت بعد ذلك بما يهدد المصالح الأمريكية. كذلك، أسهم التأخر في توجيه ضربة عسكرية لقوات الأسد في سوريا في دفع الأمور لمزيد من التعقيد والتوسع، بحيث إذا قررت الولايات المتحدة الآن توجيه ضربة عسكرية لسوريا، فإنها ستواجه أربعة أنظمة: نظام الأسد، وحزب الله، وإيران، والعراق.
مساران للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط:
منذ 2009، بدا أن الإدارة الأمريكية يجب أن تأخذ أحد المسارين في سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط. المسار الأول "من المغرب إلي غزة"، وذلك بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث استطاعت النخبة الأكاديمية والمستشارون إقناع صانعي القرار الأمريكيين بأن جماعة الإخوان تمثل قوة "تغيير". أما المسار الثاني والأخير، فهو "من بيروت إلي سوريا إلي العراق إلي إيران"، وذلك في حالة تغير سلوك القيادة السياسية الإيرانية. وانطلاقا من فرضية أنه إذا استطاعت الإدارة الأمريكية الوصول لاتفاق مع النظام الإيراني، فإن الأخير سيضمن استقرار إيران، والعراق، وسوريا، ولبنان.
وقد أشار الكاتب إلي أن مؤشرات ذلك المسار بدت واضحة منذ حملة أوباما الانتخابية في 2008، ثم خطابه في جامعة القاهرة في 2009، فضلا عن خطاب أرسل لآية الله خامنئي، يؤكد نية الولايات المتحدة الدخول في حوار مع القيادة الإيرانية. فقد كان هناك اتجاه في الإدارة الأمريكية لمشاركة الإخوان المسلمين، حتي قبل وصولهم للسلطة، واستئناف العلاقات والحوار مع الإيرانيين.
صراع في الشرق الأوسط:
يؤكد فاريز، في خلاصة كتابه، أن الإقليم الآن يشهد صراعا بين الإسلاميين والعلمانيين، وبين المحافظين والليبراليين. فتيار الإسلام السياسي يسعي إلي السيطرة علي المنطقة. وفي المقابل، هناك شبكة متنوعة من منظمات المجتمع المدني، والأقليات، والعلمانيين، والسيدات يكافحون من أجل تحقيق الديمقراطية. لذا، لو استمرت الولايات المتحدة في دعمها للإسلاميين، فإنهم، أي الإسلاميين، سيقاومون الإصلاح، وستواجه المجتمعات المدنية أوقاتا عصيبة في تنفيذ التغيير والتقدم. أما في حال ما أعطت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون دعمهما للمجتمعات المدنية، فإن ثقافة الإصلاح ستترسخ في الإقليم.
وأوضح أن المجتمعات المدنية في النهاية ستتمكن من تحويل ميزان القوي لمصلحتها. ففي مصر، وتونس، وليبيا، يتقدم التيار العلماني للأمام، وكذلك تنمو المعارضة ضد آية الله ونظامه. وقد توقع الكاتب قدوم ربيع آخر في الشرق الأوسط، بدلا من هذا الربيع المفقود كما سماه، وأن الإدارة الأمريكية يجب أن تكون مستعدة له هذه المرة.