ما الذي سيتغير في السياسة السعودية؟ هذا هو السؤال العريض والأكثر تداولا ونقاشا وحضورا لدى وسائل الإعلام الغربية، منذ رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز وتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم. كيف ستتعاطى الرياض مع القضايا الكبرى؟ كيف ستكون سياستها النفطية؟ ما أبرز التغيرات التي ستطرأ على المشهد السياسي السعودي؟ وعلى شاكلة هذه الأسئلة تتقافز مئات الإجابات، وللأسف غالبيتها مبنية على اجتهادات وتحليلات وحتى تكهنات، دون الركون لمعلومة واحدة تقنع المتلقي.
ليس سرا أن السياسة السعودية على مدى عقود طوال لم تشهد انقلابا مفاجئا أو تغييرا لافتا، فهي كانت دائما وأبدا تقوم على مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية وتاريخية ودينية واقتصادية وأمنية وسياسية، وضمن أطر رئيسية، يأتي على رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ورفض قاطع لأي محاولات للتدخل في شؤونها الداخلية، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز، وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة، ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الدولية والإقليمية، وكذلك تطبيق سياسة متزنة ومتوازنة في إنتاج وتسويق النفط، نظرا لما تمثله الرياض كأحد أكبر المنتجين وصاحب أكبر احتياطي في العالم، ولا جدال أن كل من يرصد التطور في السياسة الخارجية السعودية يجد أنها لم تحِد عن الخطوط العريضة لهذه المبادئ الواضحة، والتي أنتجت على أرض الواقع سياسة سعودية ثابتة ومستقرة وتعكس المصالح التي تدافع عنها المملكة.
يمكن القول إن السياسة السعودية، بصفة عامة، تتطور بمقدار تطور المجتمع واحتياجاته، تسبق المجتمع بخطوة واحدة، لكنها لا تسبقه بعشر خطوات مثلا، فهي لا تفرض واقعا على المجتمع إذا لم يكن متوائما مع هذا التغيير حتى ولو كان طبيعيا، لذا فمن يرصد السياسة السعودية خلال عقد من الزمن أو عقدين، يجد فيها تطورا لافتا، ربما لا يراه بشكل واضح إذا ما نظر إلى فترة زمنية قصيرة، ويعزى ذلك إلى تغير الظروف الزمانية وكذلك احتياجات الدولة نفسها وتطور المجتمع بالطبع كما أسلفنا.
أما المبادئ التي قامت عليها السياسة السعودية، فإنها تسير على مسار واضح وثابت باعتبارها تقوم على مؤسسات حقيقية، وهو ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بقوله بُعيد توليه الحكم: «سنظل متمسكين بالمنهج القويم، الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها، ولن نحيد عنه».
يمكن القول إن السياسة السعودية تعتمد بشكل كبير على ما يسمى «القوة الناعمة»، وهو المصطلح الذي أطلقه المفكر الأميركي جوزيف ناي، ومن خلال هذا المبدأ استطاعت أن تفرض هيبتها وترسخ أهميتها على المستوى الإقليمي والدولي، وفيما دول أخرى تستخدم القوى الخشنة، أو قوى المؤامرات والدسائس، مضت الرياض في الثبات على مبادئها، على الرغم من كل التحولات المقلقة التي تعيشها المنطقة، ولعل أبرز مثال على هذه السياسة الرصينة العقلانية (القوة الناعمة)، الجولة الآسيوية التي قام بها الملك سلمان، وكان حينها ولي العهد، وشملت باكستان والهند والمالديف والصين واليابان، حيث تسعى السعودية إلى تعزيز علاقتها مع شركائها بكافة السبل، وعدم حصرها في زوايا أو أطر أو مصالح محدودة مصيرها التغير أو حتى الفناء.
تعليقا على مقالي قبل أمس «رحل ملك وحضر ملك.. الاستقرار صناعة سعودية»، علق القارئ عبد العزيز بن حمد قائلا إن الدول الكبرى «لا تحتاج إلى قنابل ذرية للتهديد بقتل البشر وتدمير الحضارة، فقط ليقال عنها إنها دولة عظمى. شتان بين السعودية وغيرها».
لا أظن هناك ختاما أفضل للمقال من الكلمات الثمينة للقارئ العزيز.
---------------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الإثنين، 26/1/2015.
رابط دائم: