وضعت حركة النهضة نفسها في صف المعارضة عندما قبلت برئاسة لجنة المالية داخل مجلس نواب الشعب لكن الملاحظين لا يستبعدون مشاركتها نداء تونس الحكم في اطار حكومة توافقية. هذه الفرضية لم نعهدها في تونس ولكنها ليست بدعة في العالم فما هي دوافعها؟ وما هي انعكاساتها على المشهد السياسي؟
«حتى لو يعطينا الشعب أغلبية مطلقة لن نحكم بمفردنا لأن هذا في مصلحة تونس وشعارنا في النداء الدولة والمصلحة العامة قبل مصلحة الحزب». هذا ما صرح به رئيس «نداء تونس» الباجي قايد السبسي أول أمس لمحطة «شمس آف آم» الإذاعية. وهو رأي لا يشير صراحة إلى إمكانية التقاء الغريمين في حكومة واحدة ولكنه لا ينفي هذه الفرضية.
وعلى الضفة الأخرى تبدو حركة النهضة أكثر وضوحا إذ صرح زعيمها راشد الغنوشي قبل أيام لقناة الجزيرة بأنّ حركته «مستعدة للمشاركة في حكومة ائتلاف وطني مع حركة نداء تونس» وأضاف أنه «لن يكون لديها أية موانع أو شروط للموافقة على مشاركة الحكم مع حركة النداء لو تم طرح الفكرة عليها». ولكن هل أن الحزبين مجبران على تشكيل حكومة توافقية بينهما؟
قبل الإجابة لا بد من رفع اللبس فالائتلاف الحكومي لا يعني ائتلافا حزبيا لأن الائتلاف الحزبي يفترض بالضرورة تقاربا وأحيانا تكاملا بين حزبين أو أكثر من حيث المرجعية الحزبية والايديولوجية والبرامج والأهداف. أما التوافق الحكومي فيتشكل بين حزبين (أو أكثر) لا ينتميان لنفس العائلة بل قد يكون أحدهما يمينيا والآخر يساريا ولكن الضرورة تحتم التقاءهما في حكومة واحدة تسمى حكومة ائتلافية أو توافقية يضحي فيها كل طرف ببعض خياراته حتى يصل الجميع إلى نقاط واحدة يتفقون عليها. ويبدو هذا الحل خيارا ممكنا بين نداء تونس وحركة النهضة.
صحيح أن النداء كان الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة لكنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة وإنما على أغلبية نسبية ولهذا لا يمكنه أن يشكل بنفسه حكومة حزبية بل عليه أن يقيم تحالفات مع الأحزاب القريبة منه من حيث الأهداف (مثل الجبهة الشعبية والتحالف الديمقراطي والحزب الوطني الحر...) لكن هذا الخيار مؤلم لأن وقوف حركة النهضة في صف المعارضة بحجمها القوي سيعطل الكثير من مشاريع القوانين وسيحول دون تحقيق الأهداف التي لا تخدم مصالحها كما يجعل الحكومة مهددة بالسقوط في أي لحظة وهنا يظهر الخيار الثالث وهو إقامة حكومة توافقية بين النداء والنهضة. يبدوا هذا الخيار نافعا للحزبين معا فهو يسمح لكل طرف بتمرير أفكاره التي لا تعارض الطرف الآخر وتبقيه بعيدا نسبيا عن المساءلة لأنهما سيكونان بالضرورة مسيطران في البرلمان ولا يخشيان المعاضة ولكن الأهم يتمثل في المصلحة الوطنية سيما إذا كانت البلاد في وضع اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي هش فالائتلاف يسمح بتركيز حكومة قوية ومتماسكة وقادرة على تنفيذ برامجها المستقبلية ذات الأمد البعيد.
لكن هذا الخيار التي تمليه الضرورة في أغلب الأحيان لا يخلو من مخاطر ذلك أن اجتماع الحزبين القويين في حكومة واحدة يعني الهيمنة على البرلمان وخلق معارضة ضعيفة تتحول إلى صورية كما أن القاعدة الحزبية للحزبي المتآلفين أو المتوافقين في الحكومة قد لا ترضي بهذا الخيار ولا تقبل التقارب مع الغريم اللدود.
-------------------------
* نقلا عن الشروق التونسية، الخميس، 11/12/2014.
رابط دائم: